حطاب الساعيد
في مأساة تفطر القلوب وتدمع لها العيون، شهدة السودان واحدة من أفظع الكوارث الطبيعية في تاريخه. فقد مسح انزلاق أرضي هائل قرية كاملة من الوجود، ليدفن تحت أنقاضه أكثر من ألف إنسان، ويترك ناجيا وحيدا يروي تفاصيل المأساة وكأنها كابوس لا نهاية له.
في لحظات قصيرة، انهارت كتل ضخمة من الصخور والأتربة من سفوح الجبال المحيطة، لتبتلع المنازل والحقول والطرق. لم يمنح الانزلاق الأرضي سكان القرية فرصة للهرب، فالموت باغتهم جميعا في بيوتهم وبين أسرّتهم. القرية التي كانت تضج بالحياة تحولت في دقائق إلى صمت ثقيل ومقبرة مفتوحة على اتساعها.
الناجي الوحيد خرج من بين الركام منهكا، شاهدا على كارثة لم تبق خلفها سوى الخراب والدموع. بكلمات متقطعة، روى كيف رأى الأرض تبتلع أحبته وجيرانه، وكيف وجد نفسه وحيدا وسط صمت الموتى، في مشهد أشبه بملحمة مأساوية تجاوزت حدود الخيال.
المنظمات الإنسانية هرعت إلى مكان المأساة، لكن الجهود لم تكن لإنقاذ الأرواح بقدر ما كانت لانتشال الجثامين. الأمل في العثور على ناجين أصبح شبه معدوم، لتتحول عمليات البحث إلى طقس من الحزن الجماعي، حيث يحاول الجميع انتشال أجساد أحبائهم ودفنها بكرامة.
هذه الفاجعة لا تخص السودان وحده بل تخص الإنسانية جمعاء. إنها تذكير قاس بضعف البشر أمام قوة الطبيعة، وجرس إنذار بضرورة تعزيز إجراءات الحماية والوقاية في مواجهة الكوارث الطبيعية. لكن وسط هذا الخراب يبقى الأهم هو التضامن مع الضحايا، ومواساة الأسر المفجوعة التي استيقظت لتجد نفسها بلا مأوى ولا أهل ولا قرية.
لقد طمست القرية من الخريطة، لكن دموع الأمهات، وصرخات الأطفال التي صمتت إلى الأبد، ستظل محفورة في الذاكرة الإنسانية شاهدا على أن بعض الجراح لا تندمل أبدا.