أحمد زعيم
في الوقت الذي تعيش فيه الفلاحة المحلية واحدة من أصعب فتراتها بسبب سنوات الجفاف المتتالية والإستنزاف المفرط للفرشة المائية، يكتفي المسؤولون بخطوات ظرفية لإنقاذ محاصيل محدودة، في وقت تتوسع فيه دائرة الخسائر لتشمل فلاحين صغارا فقدوا مصدر رزقهم الوحيد. وبين الإحتفاء الإعلامي بما تحقق على نطاق ضيق، وصمت الجهات المعنية عن الأسباب الحقيقية للأزمة، يبقى السؤال مفتوحا حول غياب رؤية شاملة لإدارة هذه الثروة الحيوية وإنصاف الفلاحين المتضررين.
ففي ظل الظروف المناخية الصعبة، شهد الإقليم تراجعا خطيرا في منسوب المياه الجوفية بسبب حفر الآبار العميقة والثقوب المائية غير المراقبة، والتي توجه أغلبها نحو خدمة الضيعات الزراعية الكبرى والأشجار المثمرة التابعة للمستثمرين الكبار، والشركات، والمناطق الصناعية المكتب الشريف للفوسفاط نموذجا . في المقابل، يجد الفلاحون الصغار أنفسهم في مواجهة معاناة يومية للحصول على حصص قليلة من مياه السقي لإنقاذ أشجار الزيتون والرمان، التي تمثل مصدر عيشهم الوحيد.
وفي خطوة وُصفت بـ”الإستثنائية”، استجابت الجهات المسؤولة عن تدبير مياه السقي لمطالب مجموعة من الفلاحين الصغار، حيث أطلقت دورة محدودة لإنقاذ محصول الرمان. غير أن العديد من الفعاليات الجمعوية والحقوقية والفلاحين عبروا عن إستغرابهم من الإحتفاء الإعلامي المبالغ فيه بهذا القرار عبر بعض القنوات العمومية، وتقديمه كأنه “إنجاز تاريخي”، في وقت تجاهلت فيه نفس الجهات الإعلامية الواقع الصعب الذي تعيشه مناطق واسعة بالإقليم، والتي تضررت بشكل كبير من غياب استراتيجيات فعالة لتدبير الموارد المائية.
ويطرح هذا الوضع عدة تساؤلات ملحة:
هل يكفي إنقاذ محصول محدود لمعالجة أزمة بنيوية تهدد مستقبل الفلاحة ككل؟
إلى أي حد تتحمل السياسات العمومية مسؤولية تراجع الفرشة المائية وإستنزافها بفعل الآبار العشوائية والإستغلال المفرط؟
أين هي حقوق الفلاحين الصغار في الحصول على حصص عادلة من المياه، وتعويضهم عن خسائرهم الفادحة؟
ولماذا لم يتم بعد تشكيل لجان مختصة لحصر المتضررين ومراقبة شبكات توزيع المياه العامة، مع محاسبة المتورطين في نهب هذه الثروة الحيوية؟
إن أزمة مياه السقي بالإقليم ليست ظرفية ولا مرتبطة بموسم فلاحي بعينه، بل هي قضية إستراتيجية تتعلق بأمن مائي وغذائي يستدعي رؤية واضحة تقوم على حماية الفرشة المائية، وضمان توزيع عادل للموارد، ودعم حقيقي للفلاحين الصغار بدل الإكتفاء بحلول ترقيعية ظرفية.