في سنة 2017 خرج ناصر الزفزافي من الحسيمة مكبلاً بالأصفاد، مغطى الوجه، منهك القوى. وبعد سنوات يعود إليها سنة 2025 من دون قيود، مكشوف الوجه، بصحة جيدة، لا كسجين عادي بل كخطيب سياسي يخاطب الحشود من فوق منصة. الفرق كبير بين الصورتين، وهو فرق لم يكن صدفة ولا مجرد إجراء إداري بسيط، بل حدث مدروس أراد أن يرسل رسائل سياسية ورمزية عميقة.
مشهد الاستقبال كان لافتاً: طوابير المستقبلين، الحشود المصطفة، الشعارات المرفوعة، ثم خطاب الزفزافي الذي أكد فيه وحدة الوطن من شماله إلى جنوبه، وأن الدولة ليست عدواً. بدا واضحاً أن الرجل لم يعد رمزاً للاحتجاج فقط، بل زعيماً محلياً يوجّه جماهيره بسقف سياسي واجتماعي محدد، فيما الدولة اختارت أن ترد على كل الاتهامات السابقة بخطوة إنسانية ورسالة قوية: الوطن غفور رحيم.
السماح له بالمشاركة في جنازة والده، بالعودة إلى بيته، ثم بالوقوف أمام الناس وإلقاء خطاب، لم يكن قراراً عابراً. مثل هذه الخطوات لا تتم إلا بعد ترتيبات أمنية دقيقة وموافقة أعلى سلطة في البلاد، الملك محمد السادس، بحسه الإنساني وبمسؤوليته عن وحدة المغرب. وهو ما يجعل هذه اللحظة غير مسبوقة في تاريخ السجون المغربية.
الرسالة كانت أوضح من أن تُخفى: لا إقصاء ولا انتقام، بل مصالحة ممكنة. فالحراك لم يكن مشروع انفصال، بل صرخة من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية. والدولة بدورها تقول إنها مستعدة لتجاوز الماضي وفتح صفحة جديدة. هذا يعيد إلى الأذهان تجربة الإنصاف والمصالحة، حين واجه المغرب سنوات الرصاص بالاعتراف ورد الاعتبار بدل الانتقام. واليوم، الحاجة ماسة إلى مصالحة جديدة في ملف الريف، مصالحة تعني إطلاق سراح المعتقلين، رد الاعتبار لعائلاتهم، وإطلاق مسار تنموي يليق بالمنطقة وبكل المغرب.
أكيد أن هناك من يزعجه هذا المشهد ومن يعيش على التوتر، لكن قوة الدولة تُقاس بقدرتها على الاحتواء لا بالعقاب وحده. والمصالحة ليست ضعفاً، بل قمة القوة والحكمة. هي السبيل الوحيد لبناء مغرب متماسك يتسع للجميع، من الريف إلى الصحراء ومن الشرق إلى الغرب.
لقد كبرنا جميعاً على مقولة: الوطن غفور رحيم. واليوم جاء الوقت لترجمتها بالفعل. العفو عن المعتقلين ليس مجرد مطلب عاطفي، بل استكمال منطقي لرسالة الدولة نفسها. هكذا فقط يمكن أن يبدأ عهد جديد، عهد مصالحة حقيقية تُعاش لا تُرفع كشعار، وبداية مغرب يليق بكل أبنائه