نزار الصالحي.فاس
كرة القدم ليست مجرد تسعين دقيقة تُلعب على العشب الأخضر، بل هي توازن نفسي ومعنوي يتقاسمه اللاعبون مع جماهيرهم، و”اللاعب رقم 12″ يظل عبر التاريخ عنصرًا حاسمًا في لحظات الانتصار والانكسار. وإذا كان المنتخب المغربي قد نجح في السنوات الأخيرة في استعادة مكانته القارية والعالمية، فإن جزءًا كبيرًا من هذا النجاح يعود إلى الدعم الجماهيري الذي رافق “الأسود” في المحطات الصعبة، وخلق أجواء مرعبة للخصوم ودافعة للمنتخب إلى تجاوز العوائق.
غير أن المشهد الذي عايناه في مباراة المغرب أمام النيجر، بمناسبة افتتاح ملعب الأمير مولاي عبد الله بعد تجديده، يعكس صورة مقلقة؛ فقد حضر جمهور كثير عددًا، لكنه قليل أثرًا. جمهور غلب عليه طابع المتفرج الذي يكتفي بالتصفيق عند الأهداف والتقاط الصور ومقاطع الفيديو لنشرها على “إنستغرام” و”تيك توك”، بدل أن يتحول إلى محرك فعلي لنسق المباراة. لقد تحوّل الملعب من فضاء للتشجيع والضغط النفسي على المنافس إلى منصة عرض جماعي لحياة افتراضية، حيث يصبح الهدف الأساسي هو توثيق الحضور أكثر من عيش اللحظة الكروية.
هذا التحول لا يمكن اعتباره مسألة بسيطة أو عابرة، لأنه يمس جوهر العلاقة بين الجمهور ومنتخبه. فالجمهور المشجع، بصوته وأهازيجه وانفعاله، يمنح اللاعبين دفعة إضافية في لحظات التراجع، ويزرع فيهم روح القتال حين تضيق المساحات ويشتد الضغط. أما الجمهور المتفرج، الذي يكتفي بالفرجة والتوثيق، فإنه يحوّل المدرجات إلى فضاء بارد، ويفقد المنتخب أحد أهم أسلحته غير المرئية.
وإذا كان من حق أي مواطن أن يحضر المباريات ويستمتع بأجوائها، فإن المسؤولية الجماعية تقتضي التذكير بأن حضور المنتخب ليس مجرد مناسبة ترفيهية أو لحظة لالتقاط صور تذكارية، بل هو فعل رياضي ووطني يقتضي الانخراط الكلي في دعم اللاعبين ومؤازرتهم. فالألقاب لا تُنتزع بالمهارات الفردية فقط، بل أيضًا بقوة الصوت الجماعي الذي يهزّ الملعب ويربك الخصوم.
المغرب مقبل على استضافة كأس إفريقيا، والتحديات ستكون أكبر من مجرد ضمان التأهل إلى كأس العالم. المنافسة على اللقب تحتاج جمهورًا يدرك قيمته ويستوعب أن المدرجات ليست صالة سينما ولا فضاءً للعرض الافتراضي، بل هي جبهة قتال معنوية تُحسم فيها المباريات قبل صافرة الحكم. فإذا استمر هذا التحول في نوعية الجمهور، فإن المنتخب سيجد نفسه محرومًا من أقوى أسلحته: جمهور صاخب يلهب الحماس ويجعل الانتصار ممكنًا حتى في أصعب اللحظات.
إنها لحظة صريحة لمراجعة الذات: أي جمهور نريد لمنتخبنا؟ جمهور المشجع الذي يصنع التاريخ بأهازيجه وحضوره الطاغي، أم جمهور المتفرج الذي يضيّع قيمة المدرجات في بحر الصور والمنشورات؟ الجواب سيحدد الكثير من ملامح المستقبل الكروي القريب.