تواصل قضية عمال الوساطة بالمجمع الشريف للفوسفاط (OCP) إثارة جدل واسع في المغرب، وسط تحذيرات نقابية من تدهور أوضاع هذه الفئة الاجتماعية والمهنية، التي يقدر عددها بأكثر من 3612 عامل يعملون عبر شركات وسيطة داخل وحدات الإنتاج المنجمي في ظروف قاسية وخطرة. هؤلاء العمال يقومون بنفس المهام التي يؤديها الموظفون الرسميون بالمجمع، لكنهم محرومون من أبسط الحقوق المهنية، بما فيها الاستقرار الوظيفي، التعويضات المالية، والتغطية الصحية والاجتماعية الملائمة.
مصادر نقابية أشارت إلى أن بعض العمال أمضوا أكثر من عشرين عاما في عقود متكررة مع شركات الوساطة، مستمرين في أداء نفس العمل في بيئة تتعرض فيها صحتهم للخطر يوميا بسبب الغبار والمواد الكيماوية، فيما يغيب عنهم أي تعويض عن التعرض المهني أو حماية قانونية، وهو ما يعد خرقا صريحاً للقوانين الوطنية، بما فيها مدونة الشغل المغربية التي تلزم المشغل بصرف الأجر في مواعيده القانونية وتوفير بيئة عمل آمنة، إضافة إلى القوانين المنجمية والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق العمال المؤقتين والمياومين، والتي صادق عليها المغرب.
النقابيون يعتبرون شركات الوساطة أداة للاستغلال، حيث تتحايل على القانون بتغيير أسماء الشركات فقط، بينما يظل العمال في نفس مواقعهم ونفس المهام، وهو ما يصفونه بأنه عبودية مقننة
ويؤكدون أن هذا الوضع يحدث بينما يحقق المجمع أرباحاً هائلة تصل إلى أكثر من 21 مليار درهم في الربع الأول من هذه السنة 2025، ما يسلط الضوء على التناقض الصارخ بين شعارات المسؤولية الاجتماعية والتنمية المستدامة وبين واقع العمال على الأرض.
الشهادات المباشرة للعمال تعكس عمق الأزمة، حيث يقول أحدهم: “العمل هنا مستمر في ظروف صعبة، ونحن نتعرض للغبار والمواد الكيماوية يومياً، ومع ذلك لا نحصل على أي حماية أو تعويض، بينما يحقق المجمع أرباحاً ضخمة”. وأضاف عامل آخر: “تغير أسماء الشركات فقط، لكن نحن باقون في نفس المكان ونقوم بنفس العمل، هذا أشبه بالعبودية القانونية، ونحن بحاجة إلى تدخل عاجل لإنهاء هذا الوضع”.
وتشير المصادر إلى حالات مرضية مرتبطة بالتعرض الطويل للغبار والمواد الكيميائية، تشمل مشاكل تنفسية مزمنة وأمراض جلدية، بينما تبقى معظم هذه الحالات دون علاج مناسب أو تعويض مالي، مما يزيد من هشاشة العمال ويضع حياتهم المهنية والشخصية في خطر.
تجدد هذه القضية النقاش حول ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة ومنصفة تشمل: إلغاء عقود الوساطة والانتقال إلى التوظيف المباشر لضمان الاستقرار الوظيفي؛ تحسين الأجور بما يتناسب مع حجم العمل والخطورة التي يواجهها العمال يومياً؛ توفير التأمين الصحي والاجتماعي الكامل لحماية العمال من المخاطر المهنية؛ ومراجعة سياسات التشغيل والإدارة بما يتوافق مع التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية.
العمال ضحية هذا الاستغلال يؤكدون على دور النقابات والجمعيات الحقوقية والإعلام أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى للضغط على المجمع من أجل احترام حقوق العمال والحد من الاستغلال الذي طال أمده، وضمان بيئة عمل آمنة ومنصفة، حيث يمكن أن يؤدي استمرار هذه المعاناة إلى تفاقم التوتر الاجتماعي في المنطقة، خصوصا في ظل صمت إدارة OCP و اكتفائها بخطابات عامة حول التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية، دون أي إجراءات ملموسة على أرض الواقع.
تظل قضية عمال الوساطة بالمجمع الشريف للفوسفاط نموذجا حيا للاختلال بين الثروة الضخمة التي يدرها قطاع الفوسفاط على خزينة الدولة وبين حقوق العمال الذين يفتقدون لأبسط ضمانات العمل اللائق، ما يضعها في صلب النقاش الوطني حول العدالة الاجتماعية وكرامة الشغيلة المغربية، ويطرح التساؤل حول مدى التزام المؤسسات الكبرى بمبادئ المسؤولية الاجتماعية الحقيقية، ويدعو جميع الأطراف المعنية إلى الضغط لإصلاح هذا الوضع وتحقيق بيئة عمل آمنة ومنصفة