مع بداية شهر شتنبر، تستعيد الحقول المغربية حيويتها تدريجيًا بعد موسم صيفي صعب، حيث انطلقت في مختلف المناطق حركية واضحة لجرارات الفلاحين ومعداتهم، إيذانًا ببدء موسم فلاحي جديد. هذا النشاط لا يقتصر على عمليات روتينية، بل يترجم انتظارات كبيرة في سياق مناخي متقلب وضغط متزايد على الأمن الغذائي الوطني.
تشير معطيات ميدانية إلى أن عمليات تقليب التربة وتهيئتها تسير بوتيرة متصاعدة، استعدادًا للزراعات الخريفية التي تُرتقب بدايتها بعد منتصف الشهر الجاري، على أن تنطلق زراعة الحبوب مع حلول أكتوبر. ويُتوقع أن تشمل هذه الزراعات مساحات تتجاوز مليوني هكتار، في ظل رهان الفلاحين على موسم أكثر سخاء من سابقيه.
رشيد الغزاوي، عضو إحدى التعاونيات الفلاحية بمنطقة اللوكوس، أوضح في بعض تصريحاته أن “عملية قلب الأرض جارية منذ أيام، والفلاحون منهمكون في الإعداد للموسم الجديد، وكلنا أمل في أن يرزقنا الله المطر الكافي لتحقيق موسم ناجح”. ويضيف أن بعض الزراعات انطلقت فعليًا مثل قصب السكر والبازلاء والفاصوليا والبقدونس واللفت والفول، فيما تظل مناطق السقي مهيأة لمحاصيل أخرى كالشوندر السكري والفصة والخرطال.
من جانبه، يؤكد الخبير والمستشار الفلاحي رياض أوحتيتا أن الأمطار التي عرفتها البلاد في مارس الماضي، والتي بلغ معدلها أكثر من 60 ملم في بعض المناطق، أعادت جزءًا من الثقة إلى المزارعين. وأوضح في بعض تصريحاته أن تقلص الإنتاج في السنوات الأخيرة لم يكن مرتبطًا بالجفاف وحده، بل بتراجع المساحات المزروعة، حيث لم يتجاوز إنتاج الحبوب الموسم الماضي 32 مليون قنطار، مقابل أكثر من 100 مليون قنطار في سنوات التساقطات الجيدة.
وأشار أوحتيتا إلى أن وزارة الفلاحة تراهن على استراتيجية “الزرع المباشر”، التي شملت إلى حدود السنة الماضية حوالي 200 ألف هكتار، معتبرًا أنها تقنية واعدة للحفاظ على رطوبة التربة وتقليص كلفة الإنتاج وتعزيز مرونة المزارعين أمام تقلبات المناخ.
لكن الأرقام تكشف عن تحول مقلق في الخريطة الفلاحية. فبينما كانت مناطق عبدة ودكالة تاريخيًا توفر الجزء الأكبر من إنتاج الحبوب، أصبحت اليوم مناطق الغرب والشمال تسهم بأكثر من 80 في المائة من المحصول الوطني. هذا التغير يعكس أثر التغيرات المناخية التي لم تعد مجرد سنوات جفاف متقطعة، بل أصبحت واقعًا مستمرًا يغير موازين الإنتاج.
أمام هذا الوضع، يرى خبراء أن الحل يكمن في بلورة دراسات مجالية دقيقة، تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل منطقة، والأصناف التي تناسبها، والتوقيت الأمثل للزراعة، بدل الاعتماد على رزنامة تقليدية باتت غير متناسبة مع تقلبات المناخ. فالرهان اليوم لم يعد فقط على نزول المطر، بل على قدرة الفلاحة الوطنية على التكيف السريع مع واقع جديد.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه الاستعدادات داخل الحقول وتعلو أصوات الجرارات في الأرياف، يبقى السؤال الحاسم: هل سينجح الموسم الفلاحي المقبل في استعادة جزء من التوازن الإنتاجي، أم أن التغيرات المناخية ستواصل اختبار قدرة المغرب على تأمين غذائه وتقوية صمود فلاحية؟