“حطاب الساعيد
في جهة بني ملال خنيفرة الفوسفاط يخرج من باطن الأرض كأنه ذهب أبيض يحمل في قطارات فاخرة نحو الموانئ ويصدر ليملأ خزائن الدولة ويغذي حسابات كبار المسؤولين. أما أبناء الأرض فيكفيهم الغبار في الرئات والفقر في البطون، والوعود الكاذبة في الآذان. إنها مفارقة مضحكة ومبكية في نفس الوقت: الجهة التي تحمل على ظهرها ثروة المغرب كلها تقريبا يعيش شبابها في بطالة قاتلة، وقراها عطشى، ومدنها في تهميش يندى له الجبين.
المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) يقدم نفسه دوليا كقصة نجاح ملهمة: مليارات الدراهم، استثمارات في إفريقيا، مؤتمرات فاخرة، وتقارير لامعة ترفع للأمم المتحدة. أما على أرض جهة بني ملال خنيفرة فيكفيك أن تزور مستشفى أي إقليم لترى الوجه الآخر للقصة: قاعات مكتظة، أدوية مفقودة، وأمهات يلدن على الأرض.
المنتخبون المحليون والجهويون بدورهم يملكون موهبة فريدة: يختفون طيلة خمس سنوات ثم يظهرون قبل الانتخابات ليبيعوا الوهم في أكياس بلاستيكية رخيصة. يتحدثون عن “مشاريع كبرى” بينما أقصى ما حققوه هو مهرجانات فولكلورية وصور تذكارية مع المديرين، يا لها من تنمية!
البرلمانيون عن الجهة لا يملكون الجرأة حتى على طرح السؤال البسيط: لماذا يبقى أبناء الفوسفاط بطاليين وغرباء في أرضهم؟ الجواب معروف: لأنهم مشغولون بالبحث عن نصيبهم من الكعكة بينما يتركون الفتات للساكنة.
لقد قال الملك نصره الله في أكثر من خطاب إن “المغرب لا يمكن أن يسير بسرعتين”، لكن يبدو أن جهة بني ملال خنيفرة تسير بسرعة الصفر: شبابها يهاجر أو يغرق في قوارب الموت، وفلاحيها يموتون عطشا …
إن ما يثير الاستغراب والاشمئزاز هو الصمت الحقوقي والسياسي أمام واحدة من أكبر قضايا العدالة الاجتماعية في المغرب. هل يعقل أن تعيش الجهة التي تغذي اقتصاد البلاد كله في هذه الحالة من الإقصاء؟ أليس الأولى أن يخصص جزء من عائدات الفوسفاط لبناء مصانع ومشاريع تشغل الشباب وتعيد للجهة بعضا من حقها؟
الجواب واضح: الإقليم لا يعاني من قلة الموارد، بل من غياب الإرادة السياسية في توزيعها بعدل ومن كثرة اللصوص. والفوسفاط الذي يملأ تقارير المؤسسات الدولية عن قوة المغرب الاقتصادية، يظل بالنسبة لساكنة الجهة مجرد شاهد على ظلم ممنهج، وسببا يوميا للشعور بالخذلان والغبن.
لقد حان الوقت أن تطرح هذه الأسئلة بجرأة أمام الرأي العام: إلى متى يظل أبناء جهة بني ملال خنيفرة يسقون الآخرين ويظلون عطشى؟ وإلى متى ستبقى التنمية تتجول في المدن الكبرى وتنسى مسقط رأس الثروة؟.