محمد فتاح
عاد الماء أخيرًا إلى الصنابير بعد يومٍ كامل من الانقطاع، لكنّه لم يعد كما كان. عاد بلونٍ لا يشبه الحياة، لا يصلح لغسل وجه طفل، ولا لريّ زهرة، ولا حتى لكتابة هذا المقال دون أن يختنق الحبر. عاد الماء، لكنّه حمل معه خيبةً جديدة، كأنّ المدينة شربت من كأس السخرية حتى الثمالة.
في مدينةٍ اعتادت الانتظار، لا أحد يعتذر. لا بيان رسمي، لا تفسير علمي، لا حتى محاولة لتجميل الكارثة. فقط صمتٌ رسميٌ يقطر أكثر عفونةً من الماء نفسه. المواطنون فتحوا الصنابير فوجدوا لونًا لا يُقرأ، ورائحةً لا تُحتمل، ومع ذلك قيل لهم: “لقد عادت الخدمة”. أي خدمة؟ وأي ماء؟ وأي احترام للناس؟
ما حدث ليس مجرد خلل تقني، بل هو مشهد من مسرحية طويلة عنوانها “الضحك على الذقون”. الماء الذي عاد لا يصلح حتى لسقي شجرة في حديقة مهجورة، ومع ذلك يُطلب من الناس أن يصمتوا، أن يتأقلموا، أن يشكروا.
لكننا لا نشكر الرداءة، ولا نصفّق للعبث. الماء ليس رفاهية، بل حقٌّ أساسي، وحين يتحوّل إلى خطر، فإنّ الصمت جريمة. من المسؤول؟ من يجرؤ على تسمية الأشياء بأسمائها؟ من يملك الجرأة ليقول إنّ ما جرى هو إهانة جماعية؟
في مدينةٍ تُنسى كل يوم، لا نملك إلا أن نكتب. نكتب لنُقلق، لا لنُرضي. نكتب لأنّ الماء حين يعود بلون الخديعة، فإنّ الكلمات وحدها تملك القدرة على التطهير.