حطاب الساعيد
في الوقت الذي يشيد فيه الخطاب الملكي بضرورة محاربة الفساد واقتلاع جذوره من مؤسسات الدولة خرج شباب الجيل الجديد، المعروف إعلاميا بـ”جيل Z”، إلى الساحة حاملين هذا الخطاب كراية لا كشعار. شباب واع مثقف لا يكتفي بالتنديد عبر الشاشات بل ينزل إلى الميدان، يفضح، يوثق، ويطالب بالمحاسبة. لكن المفارقة الصادمة أن من يفترض بهم تنفيذ التوجيهات العليا هم أول من يقاومها.
في مدن متعددة من شمال المغرب إلى جنوبه برزت مبادرات شبابية جريئة: حملات رقمية لكشف التلاعبات، وقفات احتجاجية سلمية ضد المحسوبية، ومطالب واضحة بتفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”. هؤلاء الشباب لم يخرجوا عن القانون بل طالبوا بتطبيقه. لم يرفعوا شعارات غوغائية بل استندوا إلى مضامين الخطاب الملكي نفسه، الذي دعا إلى ترسيخ ثقافة النزاهة والشفافية.
لكن الرد من بعض المسؤولين كان صادما: تضييق، استدعاءات، تهديدات مبطنة، بل وحتى تدخلات أمنية في بعض الحالات. وكأن محاربة الفساد أصبحت جريمة، وكأن من يطالب بالإصلاح ينظر إليه كخطر على “استقرار البلاد”. هذا التناقض يطرح سؤالا صارخا: من ينفذ فعليا توجيهات الملك؟ ومن يعرقلها؟
جيل “Z” لا يطلب امتيازات بل يطالب بحقوقه كمواطن في وطن يحلم أن يكون عادلا. هؤلاء الشباب لا يملكون نفوذا ولا مناصب، لكنهم يملكون الوعي، والقدرة على التأثير، والجرأة على قول الحقيقة. وهم بذلك يعيدون تعريف الوطنية: ليست في الصمت، بل في المواجهة الأخلاقية مع الفساد.
الخطاب الملكي واضح لا يحتمل التأويل: لا مكان للفاسدين في مغرب اليوم. لكن الواقع يظهر أن بعض المسؤولين لم يستوعبوا الرسالة، أو ربما فهموها جيدا… فارتعبوا منها.