يقين 24/ حليمة صومعي
أصدرت المندوبية السامية للتخطيط تقريراً مفصلاً يرصد التحولات العميقة التي يشهدها المغرب على المستوى الديموغرافي، مؤكدة أن هذه التغيرات تفرض إعادة ترتيب الأولويات في السياسات العمومية لمواكبة التحولات الاجتماعية والاقتصادية المرتقبة.
وبيّن التقرير أن معدل الخصوبة تراجع بشكل لافت خلال العقود الأخيرة، حيث انتقل من أكثر من 7 أطفال لكل امرأة في الستينيات إلى أقل من طفلين سنة 2024، مقابل ارتفاع أمد الحياة من 47 سنة إلى أكثر من 76 سنة. هذه الدينامية جعلت بنية المجتمع المغربي تميل إلى الشيخوخة، في وقت يتقلص فيه الحجم المتوسط للأسر ويتزايد الطلب على السكن الفردي.
كما يتجه المغرب نحو انقلاب في هرم الأعمار، حيث تتراجع نسبة الأطفال والشباب مقابل تضاعف نسبة المسنين. لكن، في المقابل، يرتقب أن تبلغ الساكنة النشيطة ذروتها في أفق 2038، وهو ما يمنح البلاد نافذة ديموغرافية قصيرة ينبغي استغلالها عبر الاستثمار في التعليم الجيد، وتوسيع فرص الشغل، وتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية.
ويتوقع أن تبلغ نسبة التمدن حوالي 70% بحلول سنة 2040، مع تضخم عدد سكان المدن وتراجع ساكنة القرى. هذا التوجه يعزز الحاجة إلى سياسات ترابية عادلة، تضمن توزيعاً متوازناً للبنيات التحتية والخدمات الأساسية، تفادياً لظهور “مغرب بسرعتين”.
وأشار التقرير إلى أن عدد الأسر سيقفز إلى أكثر من 12 مليون أسرة في أفق 2040، ما سيخلق طلباً إضافياً على ما يقارب 3 ملايين وحدة سكنية جديدة. وتبقى الحاجة ملحة إلى معالجة إشكاليات السكن غير اللائق وتجويد العرض السكني بما يستجيب للتحولات الاجتماعية.
الهجرة بدورها تظل عاملاً أساسياً في رسم الخريطة السكانية. فالمغرب ما يزال بلداً مصدراً للهجرة، إذ يقيم أكثر من 5 ملايين مغربي بالخارج، لكنه في الوقت نفسه تحول إلى وجهة لآلاف المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، ما يفرض بلورة سياسة إدماج فعالة.
وترى المندوبية السامية للتخطيط أن التحولات السكانية الراهنة ليست مجرد أرقام، بل هي عوامل حاسمة ستحدد نجاح أو تعثر النموذج التنموي الجديد. فالرهان اليوم هو تحويل هذه التغيرات من تهديدات محتملة إلى فرص حقيقية، من خلال إصلاح أنظمة التقاعد والتغطية الصحية لمواجهة تحديات الشيخوخة، والاستثمار في الرأسمال البشري عبر التعليم والتكوين، وإرساء عدالة مجالية تحد من الفوارق بين المدن والقرى، وتلبية الطلب المتزايد على السكن اللائق، واعتماد سياسة هجرة شمولية قائمة على الاندماج.
إن المغرب يقف اليوم أمام منعطف ديموغرافي حاسم، إما أن يُستثمر في بناء مستقبل متوازن، أو يتحول إلى عبء يثقل كاهل الأجيال القادمة.