حبيب سعداوي
تعيش جماعة بني وكيل التابعة لإقليم الفقيه بن صالح جدلا متواصلا حول ملف الأراضي السلالية التي تم تفويتها للمجمع الشريف للفوسفاط ، وهي أراض كان يفترض أن تكون مصدر تنمية وإنصاف لأصحابها لكنها تحولت إلى بؤرة للتوتر الإجتماعي بسبب غياب الشفافية في إعداد لوائح ذوي الحقوق ، وتأخر صرف التعويضات المستحقة.
فالقانون المنظم للأراضي السلالية ، وخاصة الظهير الشريف المؤرخ في 27 أبريل 1919 والقانون رقم 62.17، ينص بوضوح على أن أي عملية تفويت لأرض سلالية لفائدة مشروع إستثماري أو مرفق عمومي يجب أن ترافقها مسطرة تعويض عادلة وشفافة لفائدة جميع ذوي الحقوق دون تمييز ، كما يلزم السلطات الوصية بالإشراف على العملية وضمان مشاركة ممثلي ذوي الحقوق في تحديد المستفيدين . غير أن الواقع بجماعة بني وكيل يسير في إتجاه مغاير ، إذ ظل عدد من ذوي الحقوق ينتظرون تعويضاتهم منذ تفويت الأرض لفائدة المجمع الشريف للفوسفاط ، دون أن يعلن بشكل رسمي عن تفاصيل التعويض أو قيمته أو الجهات المستفيدة منه ” ماعدا الذين حضروا في إجتماع التفويت”.
والأخطر أن العديد من أبناء الجماعة المقيمين خارج المنطقة وجدوا أنفسهم مقصيين بدعوى أنهم لم يعودوا ينتمون إليها ، رغم أن القانون لا يشترط الإقامة كمعيار للإستفادة ، بل يربط الحق بالإنتماء السلالي الثابت قانونا وعرفا…هذا الإقصاء يثير تساؤلات حول مدى إحترام روح القانون الذي جاء لضمان المساواة بين جميع ذوي الحقوق ، لا لتقسيمهم حسب
أماكن إقامتهم أو إنتماءاتهم الإجتماعية.
كما أن عملية إعداد لوائح ذوي الحقوق التي كان يفترض أن تكون أداة لضبط الحقوق وحماية المستحقين ، تحولت إلى مصدر للريبة والإحتقان بسبب ما يوصف من طرف عدد من المتتبعين بضعف الشفافية وغياب معايير موضوعية في تحديد الأسماء ، وهو ما جعل الثقة تتراجع في المؤسسات المنتخبة والسلطات المحلية المشرفة على الملف…فالتفويت الذي كان من المفترض أن يفتح باب التنمية أغلق في المقابل باب العدالة الإجتماعية ، بعدما شعر الكثيرون بأنهم أُقصوا من حقهم في أرض ورثوها أبا عن جد ، وأصبحت ملكا لمؤسسات كبرى دون أن تصل إليهم الإستفادة الموعودة.
فقانونيا…فإن تأخر صرف التعويضات أو عدم إشراك ذوي الحقوق في تحديد المستفيدين يخالف أحكام القانون رقم 62.17 والمرسوم التطبيقي رقم 2.12.973، اللذين ينصان على ضرورة التعويض الفوري والعادل عند كل تفويت ، ويؤكدان على دور مجلس الوصاية في ضمان إحترام المساطر . أما إستمرار الغموض في هذا الملف ، فهو مؤشر على غياب الإرادة الحقيقية في تسوية وضعية هذه الفئة التي تعيش بين مطرقة القانون وسندان الواقع.
إن معالجة هذا الملف تقتضي تفعيل المساءلة والمراقبة وإعادة فتح اللوائح على أساس معايير قانونية شفافة ، لأن الأرض السلالية ليست مجرد وعاء عقاري ، بل رمز للإنتماء ووسيلة عيش لآلاف الأسر التي ترى في الإنصاف آخر أمل لإستعادة كرامتها ، وبين ما يقوله القانون وما يجري في الميدان….ويبقى السؤال قائما: متى سيتحقق العدل في أرض بني وكيل؟.. يتبع

