تعيش الساحة السياسية المغربية على وقع تطورات متسارعة غير مسبوقة، بعدما طالت قرارات قضائية صارمة عدداً من المنتخبين البارزين، من برلمانيين ورؤساء جماعات وأعضاء مجالس إقليمية، إثر الاشتباه في تورطهم في ملفات فساد مالي وإداري تهز كواليس التدبير المحلي والمؤسسات المنتخبة.
ووفق معطيات دقيقة، فقد تم منع أكثر من عشرة رؤساء جماعات من مغادرة التراب الوطني، من بينهم برلمانيون حاليون وسابقون، أياما قليلة فقط قبل انطلاق الدورة التشريعية الجديدة، رغم محاولات بعضهم تبرير السفر بـ”أسباب صحية” أو تقديم طلبات للعلاج خارج البلاد.
وفي المقابل، استفاد نائب برلماني من حزب مشارك في الحكومة من ترخيص استثنائي للسفر نحو إسبانيا، قبل أن يتم سحب جواز سفره فور عودته، بعد ورود اسمه في تحقيق جديد يتعلق بتزوير وثائق تخص مؤسسة تعليمية خاصة، في قضية أثارت الكثير من الجدل داخل الأوساط السياسية.
وتشير مصادر متطابقة إلى أن محاكم جرائم الأموال في كل من الرباط وفاس ومراكش تعرف نشاطاً مكثفاً لقضاة التحقيق الذين أصدروا قرارات بالمنع من السفر في حق منتخبين وموظفين ومهندسين ومقاولين، بعضهم يخضع حالياً لتحقيقات معمقة، فيما ينتظر آخرون المثول أمام العدالة خلال الأيام المقبلة، وسط أجواء من القلق والترقب داخل المجالس المنتخبة.
وتكشف المعطيات أن التحقيقات طالت أيضاً رئيسي جماعة ومجلس إقليمي بجهة الرباط سلا القنيطرة، حيث جرى سحب جوازي سفرهما بأمر من قاضية التحقيق، بعد دخول الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على الخط، بناءً على تعليمات من الوكيل العام للملك بالدار البيضاء. وقد انطلقت هذه القضية من شكاية وضعها برلماني استقلالي سابق، قبل أن تمتد لتشمل مسؤولين كباراً في الوكالة الحضرية ومديرية أملاك الدولة والخزينة الإقليمية بالقنيطرة.
وفي الوقت نفسه، تشهد محاكم المملكة تزايداً لافتاً في عدد الشكايات الموجهة ضد رؤساء جماعات بتهم “تبديد أموال عمومية”، وهي ملفات ثقيلة قد تنتهي بعقوبات حبسية نافذة وفق مقتضيات الفصل 241 من القانون الجنائي.
ويرى مراقبون أن ما يجري اليوم يمثل منعطفاً حاسماً في مسار تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد، بعدما أصبحت السلطة القضائية تتحرك بصرامة واضحة، دون اعتبار للانتماءات الحزبية أو المواقع السياسية. فـ”الزلزال القضائي” الذي بدأ يهز البنية المنتخبة في البلاد يبدو أنه لن يهدأ قريباً، في رسالة حازمة مفادها أن زمن الإفلات من العقاب قد انتهى، وأن دولة القانون بدأت تبسط هيبتها على الجميع دون استثناء.

