يقين24/ محمد عبيد
يواجه الوالي الجديد لجهة فاس-مكناس، خالد آيت الطالب، وضعاً كارثياً ومعقداً يتجاوز حدود الاختلالات العادية ليلامس إفلاس الحكامة المحلية وفوضى التدبير والتطاحنات التي ضربت مصداقية المجالس المنتخبة. فالمدينة العريقة فاس تعيش حالة من التردي الشامل في خدماتها وبنيتها التحتية، وهو ما يضع الوالي أمام خارطة طريق إجبارية، لا تقبل التأجيل، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل الاستحقاقات الكبرى التي تنتظرها المملكة.
1. الكابوس الثلاثي: النظافة، النقل، وفوضى المال العام
تتجسد الأزمة في ثلاثة ملفات رئيسية تكشف عن تقاعس فادح للمجالس المنتخبة وتفشي الفساد الصغير والكبير:
*مهزلة النظافة (22 مليار سنتيم): إن صفقة التدبير المفوض لقطاع النظافة، التي تكلفت 22 مليار سنتيم، أصبحت رمزاً للإهدار والوعود الكاذبة. رغم التكلفة الباهظة، لا تزال فاس غارقة في النفايات، مما يثبت أن دفتر التحملات من الجيل الجديد ظل حبراً على ورق، نتيجة ضعف التتبع وغياب المحاسبة للمجالس المتعاقبة التي سمحت بتدهور القطاع.
*انهيار النقل الحضري: يظل قطاع النقل يعاني من الإفلاس المزمن، بسبب الأسطول المحدود والمهترئ لشركة “إيصال” والتعقيدات الإدارية في قطاع سيارات الأجرة.
هذا الوضع يعكس فشلاً ذريعاً في توفير مرفق أساسي للمواطنين، سببه سوء التدبير التاريخي وتغليب المصالح الضيقة على المصلحة العامة.
*المال العام ضحية التطاحنات: ما زاد الطين بلة هو الصراع المستمر والتطاحنات داخل المجالس المنتخبة، والذي أدى إلى شلل في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمشاريع الكبرى. هذه الفوضى السياسية انعكست مباشرة على جودة تنفيذ البرامج وساهمت في توقف الأوراش، مما يلحق أضراراً بأموال دافعي الضرائب.
2. أحزمة البؤس والعبث العمراني: ضعف هيبة السلطة
على الجانب العمراني والاجتماعي، تستمر مشاكل فاس في التفاقم:
*البناء العشوائي والمفسدون: إن انتشار البناء العشوائي في أحزمة الفقر والبؤس المحيطة بالمدينة، خاصة في الأحياء الشعبية التي شُيّدت بـ**”مباركة”** من المجالس الحالية والسابقة، يؤكد تهاوناً خطيراً لرجال السلطة الذين لم يحاربوا “مافيا العقار” بجدية. هذا العبث العمراني يشوه المدينة ويهدد سلامة ساكنتها.
*اجتياح الملك العمومي: تحولت الشوارع والأزقة إلى أسواق فوضوية مغلقة بسبب احتلال الباعة الجائلين و”الفراشة” والأكشاك المؤقتة. طرق مقطوعة بالكامل، وشوارع رئيسية مغلقة بخيام عرض الخضر والبضائع، مما يعكس غياباً لهيبة الدولة وفشلاً في فرض النظام والتشجيع على الاستثمار الحقيقي.
*اقتصاد منزوي: تعاني المدينة من انحسار الدينامية الاقتصادية وضعف الاستثمارات، ما يكرس ارتفاعاً كارثياً في نسبة البطالة بين الشباب، ويؤكد أن المركز الجهوي للاستثمار لم ينجح في فتح آفاق جديدة.
3. مهمة الوالي: سباق كأس إفريقيا ونظرة كأس العالم 2030
إن هذه التحديات تفرض على الوالي خالد آيت الطالب تحديد أولويات قصوى وخارطة طريق استعجالية:
*رفع الاستعداد لكأس إفريقيا (CAN): يجب وضع خطة عمل فورية ومكثفة لـتدارك التأخير في أوراش التأهيل الخاصة بالمنشآت والبنية التحتية استعداداً لاحتضان تظاهرات كأس إفريقيا للأمم، ورفع وتيرة العمل التي تعاني من التباطؤ والتوقف غير المبرر.
*خطة الـ 2030 والدخول في دفتر تحملات الفيفا: على المدى المتوسط، يجب الشروع فوراً في برنامج عمل متعدد السنوات، يشرف عليه الوالي مباشرة، لتنزيل مقتضيات دفتر تحملات الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لضمان جاهزية المدينة للمشاركة في استضافة كأس العالم 2030. وهذا يتطلب إصلاحاً جذرياً لقطاعي النقل والنظافة والبنية الطرقية.
*محاربة الفساد والتهاون: يجب على الوالي أن يستخدم صلاحياته كاملة لـتفعيل مبدأ المحاسبة ضد كل من يثبت تقاعسه في قطاعات النظافة والتعمير والمال العام، وأن يقصف البؤر التي تزرع الفوضى بقرارات صارمة لا تقبل المراجعة.
فاس لم تعد تقبل انصاف الحلول ولا الوعود الزائفة… إنها تنتظر من الوالي الجديد الجرأة في القرار والصرامة في التنفيذ لإنقاذها من ركام سنين من العبث، وتجهيزها للعب دورها الريادي في استضافة الأحداث الكبرى.

