منير نافيع_ يقين 24
وصلت قافلة ساكنة أيت بوكماز إلى مدينة بني ملال بعد مسيرة طويلة على الأقدام قطع خلالها المشاركون مسافات شاقة، متحدين وعورة التضاريس وحرارة الصيف، في محاولة لإسماع صوتهم بعد سنوات من الصمت الرسمي والإقصاء المؤسساتي. قافلة لم تخرج للمطالبة بالامتيازات، بل من أجل أبسط شروط العيش الكريم: طريق معبدة، مرفق صحي، مدرسة صالحة للتعليم، وماء صالح للشرب.
استقبلت القافلة من طرف عامل إقليم بني ملال الذي عبر عن تفهمه لمطالب الساكنة وتعهد بالعمل على الاستجابة لها في أقرب الآجال، غير أن حجم التراكمات وسنوات الإهمال يجعل من أي وعد رسمي موضع تشكيك مشروع، خصوصا في ظل تواطؤ الصمت من طرف ممثلي الساكنة محليا ووطنيا، الذين غابوا كليا عن المشهد، وتواروا خلف كراسيهم الوثيرة تاركين المواطن يواجه مصيره بين الثلج والإقصاء.
الحكومة، من جهتها، لا تزال حبيسة منطق المركز، تتحرك بأعين موجهة نحو الرباط والدار البيضاء، وتتعامل مع المناطق الجبلية كأنها خارج الخريطة أو على هامش الاهتمام. لم تسجل أي زيارة وزارية إلى أيت بوكماز، ولا أي برنامج استعجالي يأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة للمنطقة، رغم المؤشرات المقلقة التي تعكس واقعا اجتماعيا هشا، وتهميشا ممنهجا لمواطنين لا يقلون مغربية عن غيرهم.
المنتخبون المحليون والبرلمانيون المنحدرون من الإقليم لم يصدر عنهم أي موقف واضح أو مبادرة حقيقية، في وقت يُفترض فيهم لعب دور الوساطة السياسية والضغط على الجهات التنفيذية. هذا الصمت يسائل مصداقيتهم ويكشف محدودية أدوارهم، بل ويدفع إلى طرح سؤال جوهري حول جدوى التمثيلية السياسية إن كانت لا تمارس إلا يوم الاقتراع.
قافلة أيت بوكماز عرت الواقع، وأسقطت القناع عن خطاب الإنصاف المجالي الذي تتغنى به الحكومة في مخططاتها الورقية. والمطلوب اليوم ليس استقبالا بروتوكوليا، ولا صورا للاستهلاك الإعلامي، بل قرارات عاجلة تترجم إلى مشاريع ملموسة تعيد الاعتبار للساكنة، وتعيد ربط الجبال بوطنها.
الاحتجاج لن يتوقف ما دام الظلم مستمرا، والمحاسبة السياسية مطلوبة، لا فقط من الحكومة، بل من كل من اختار الصمت وشارك في إنتاج العزلة.