عثمان حليم
يُعاني إقليم بني ملال، رغم ما يزخر به من مؤهلات بشرية وطبيعية، من اختلالات بنيوية واضحة على عدة مستويات، أبرزها ضعف البنية التحتية وتعثّر المشاريع الكبرى التي طالما بُشّر بها المواطنون منذ سنوات دون أن ترى النور. ورغم الوعود المتكررة، لا تزال الساكنة تنتظر بوادر إقلاع تنموي حقيقي يرقى إلى تطلعاتها في العيش الكريم، وتحقيق التنمية المتوازنة والعدالة المجالية.
مدينة بني ملال، باعتبارها العاصمة الإدارية للجهة، تعيش أوضاعًا عمرانية متدهورة، ومرافق متهالكة، وشوارع رئيسية تفتقر إلى التأهيل اللائق الذي يعكس مكانتها الجهوية. والحال ذاته ينسحب على باقي مدن الإقليم، مثل زاوية الشيخ وتادلة، التي تعاني في صمت، وسط ضعف الاستثمارات العمومية وغياب رؤية تنموية شاملة.
ويبرز الخلل جليًا في ما يُعرف بتأهيل الأرصفة والمداخل، حيث يُكتفى بأشغال سطحية باستعمال “البيفي” (pavé) كحل ترقيعي، بدل اعتماد الزفت وتخطيط عمراني حديث، كما هو معمول به في مدن كبرى مثل مراكش والدار البيضاء. هذا الوضع يفقد هذه المدن جاذبيتها ويضعها في خانة المناطق المهمشة.
الوضع الصحي بدوره لا يبعث على الاطمئنان. فالمستشفى الجهوي ببني ملال يعاني من اختلالات هيكلية، ونقص حاد في التجهيزات والأطر الطبية، إلى جانب تكرار فضائح صحية أثارت استياءً واسعا في صفوف المواطنين. والحال لا يختلف كثيرًا في تادلة وباقي المراكز الصحية بالإقليم، حيث يضطر المرضى إلى التنقل نحو مدن بعيدة من أجل العلاج، في غياب بنيات صحية تستجيب لحاجيات سكان الجهة.
منذ سنة 2019، ترددت وعود بإحداث المسرح الجهوي الكبير، غير أن المشروع لا يزال حبيس التصريحات. والأمر نفسه ينطبق على قصر المؤتمرات الذي أعلن عنه رئيس الجهة دون أن يرى النور. ولا يُعقل أن تستمر الأنشطة الثقافية والمؤتمرات الكبرى، مثل “جيوبارك مكون”، في تنظيمها خارج الإقليم، في حين تبقى جهة بني ملال مجرد مموّل دون مردودية ثقافية ملموسة.
على المستوى الرياضي، الوضع لا يختلف كثيرًا. فالفرق المحلية تعاني من تراجع مستمر في الأداء، يُعزى إلى غياب البنية التحتية الرياضية الملائمة. فمدن مثل تادلة تفتقر إلى مراكز تكوين، كما لا يتوفر الإقليم على مسابح أولمبية أو نصف أولمبية، ما يدفع الأطفال إلى السباحة في المدارات المائية المهملة، معرضين أنفسهم لمخاطر صحية حقيقية. كما تغيب القاعات المغطاة والمرافق الرياضية الحديثة، التي من شأنها دعم المواهب المحلية وتحفيز الشباب على الإبداع والمنافسة.
أما في الجانب السياحي، ورغم كون إقليم بني ملال من أغنى الأقاليم المغربية من حيث المؤهلات الطبيعية، إلا أنه لم يحظَ باستثمارات كبرى تليق بمكانته. وقد أثار رفض وزيرة السياحة توقيع اتفاقية بقيمة 300 مليار سنتيم استياءً واسعًا، إذ كانت تلك الاتفاقية كفيلة بجعل القطاع السياحي قاطرة حقيقية للتنمية. هذا الإقصاء المتكرر يطرح علامات استفهام كبرى حول نجاعة السياسات القطاعية المتبعة في حق الإقليم.
الساكنة تطالب بتأهيل المواقع السياحية الكبرى بالإقليم، مثل منتزه تامدة، تاغبالوت نوحليمة، أوشرح، وتأهيل ضفاف عين أم الربيع بتادلة، إلى جانب توسيع منتزه عين أسردون، الذي يمتد على أكثر من 400 هكتار، ليُصبح أكبر منتزه طبيعي في المغرب. كما يتجدد مطلب ترميم القصبة الإسماعلية وقصبة فشتالة، لإعادة الاعتبار للموروث الثقافي والتاريخي المحلي.
ولا يمكن الحديث عن تنمية دون شبكة نقل قوية. فمشروع الطريق السيار الذي من المفترض أن يربط الإقليم بمراكش وفاس لا يزال حبيس الأدراج. أما مطار بني ملال، فرغم أهميته في ربط الجهة بالجالية المقيمة بالخارج وتعزيز الجاذبية الاستثمارية والسياحية، فلا يزال يعاني من ضعف كبير في عدد الرحلات، وغياب الربط المباشر مع المدن الأوروبية الرئيسية.
ويطالب سكان الإقليم بتوسيع المطار، وإطلاق خطوط جوية جديدة مدعّمة من صندوق دعم خاص، كما هو معمول به في مطارات جهات أخرى، من أجل تشجيع شركات الطيران على فتح خطوط منتظمة نحو أوروبا. هذا من شأنه دعم القطاع السياحي، وتعزيز الارتباط بالجالية، وجعل الإقليم أكثر جاذبية للاستثمارات