محسن خيير
في زمن تكلّس فيه الخطاب السياسي واختنق الشارع تحت وطأة الوعود الفارغة، خرج خالد تيكوكين، رئيس جماعة تبانت بأزيلال، عن النصّ. لا ببلاغات خشبية ولا بصور من المكاتب المكيفة، بل بخطواته بين الناس، وسط الطريق، في مسيرة احتجاجية تطالب بما هو أبسط من البسيط: كرامة، طريق، حياة.
في مشهد لا نراه كل يوم، وقف الشاب المنتخب وسط ساكنة منطقته، لا ليتفرّج، بل ليقود. قالها بصوت عالٍ: “لن أتنازل عن كرامة الساكنة ولو اقتضى الأمر مواصلة المسير حتى البحر”. كلمات ليست للاستهلاك الإعلامي، بل إعلان موقف من قلب المعاناة. هذا الشاب، الذي تبرّع بأجره البرلماني حين كان تحت قبة البرلمان، لا يرى في المنصب سلّمًا للامتيازات، بل مسؤولية ثقيلة يجب أن تُحمل بالصدق لا بالتملق.
تيكوكين، المنتمي لحزب العدالة والتنمية، لا يشبه كثيرًا الخط السياسي لحزبه. اختار أن ينزل من برجه الحزبي ويواجه الواقع بوجه مكشوف. أن يقف ضدّ من يحاصر جماعته منذ سنوات، وأن يقول للمركز: “ملفنا لن يُحلّ من وراء الكواليس، سنطرقه من الأبواب الكبرى”.
لكن كما جرت العادة، بدل أن تحتضن الدولة هذه الدينامية الجديدة وتفتح باب الحوار، جاءت الردود من معسكر قريب من رئيس الحكومة عنيفة وساخطة. هجوم منظم على رجل اختار الانحياز لشعبه، لا للنظام. وكأن هناك من لا يتعلم شيئًا من دروس الريف، وكأن تكرار الأخطاء صار هواية رسمية.
هل نحن فعلاً أمام زفزافي جديد؟ ربما. لكن الأكيد أننا أمام مغرب جديد، حيث لم يعد الشارع ينتظر المنقذين، بل يصنعهم. من جبال الريف إلى أعالي الأطلس، الصوت واحد: كفى من التهميش. كفى من القمع الناعم. كفى من “اصبروا معنا”.
تيكوكين ليس بطلاً خارقًا. لكنه فعل ما لم يجرؤ عليه كثيرون: نزل عند الناس. سمعهم. وسار معهم. وهذا وحده كفيل بأن يُشعل شرارة أكبر، إذا ما استمر التجاهل.
فهل تصحو حكومة أخنوش؟ أم أن الأطلس في طريقه ليكتب حراكه الخاص، بحناجر غاضبة وقادة جريئين…