في ظل حرارة الصيف اللاهبة التي تشهدها ربوع المملكة، تتزايد مخاطر التسممات الناتجة عن لسعات العقارب ولدغات الأفاعي، لتتحول من حوادث عرضية إلى إشكال صحي حقيقي يقض مضجع آلاف الأسر، خاصة في المناطق القروية والجبلية. في هذا السياق، وضمن فعاليات الأسبوع الوطني للتحسيس بمخاطر هذه التسممات، نظمت المديرية الجهوية للصحة والحماية الاجتماعية بجهة بني ملال خنيفرة، بتعاون مع المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية وعمالة إقليم خنيفرة، النسخة الرابعة من اللقاءات الجهوية للتوعية، وذلك يوم الخميس 10 يوليوز 2025، تحت شعار: “لنحمي أنفسنا من تسممات الأفاعي والعقارب“.
وجاء اللقاء في ظرفية استثنائية تطبعها موجة حرارة مرتفعة تشهدها البلاد، ما يرفع بشكل كبير من وتيرة ظهور الزواحف السامة ويزيد من خطر التعرض للسعاتها ولدغاتها. اللقاء عرف حضور عامل إقليم خنيفرة محمد عادل اهوران، والمدير الجهوي للصحة كمال الينصلي، إلى جانب ممثلين عن المجتمع المدني والفاعلين الترابيين، في خطوة هدفها توسيع دائرة الوعي والتحرك الاستباقي لمحاصرة الخطر قبل فوات الأوان.
الأرقام التي تم الكشف عنها خلال اللقاء تُظهر حجم التحدي الذي تواجهه الجهة. ففي سنة 2024، تم تسجيل 3823 حالة لسعة عقرب بمعدل جهوي بلغ 139 لسعة لكل 100 ألف نسمة، منها 27% في صفوف الأطفال دون سن الخامسة عشرة، وسُجلت حالتا وفاة. أما لدغات الأفاعي، فقد بلغت 38 حالة خلال السنة نفسها، أودت أربع منها بحياة المصابين، جميعها بإقليم خنيفرة. ورغم أن الجهة لم تُسجل أي وفاة خلال النصف الأول من عام 2025، إلا أن التهديد ما يزال قائماً، ما يستدعي اليقظة الجماعية والتعبئة الشاملة.
المديرية الجهوية للصحة لم تفوت الفرصة لتجديد التذكير بأن المصل المضاد للسعات العقارب تم سحبه من البروتوكول العلاجي منذ سنة 2001، بسبب عدم فعاليته العلمية وثبوت مضاعفاته الصحية، وهو ما أكدته منظمة الصحة العالمية وعدة دراسات أكاديمية. بالمقابل، يستمر العمل بالمصل المضاد لسم الأفاعي، الذي يوزع بانتظام على المؤسسات الصحية حسب حاجيات الأقاليم، وتتوفر الجهة على مخزون كافٍ منه حاليًا لضمان التكفل بالمصابين.
هذا وتوجهت المديرية بنداء عاجل إلى عموم المواطنين، خاصة في المناطق المتضررة، بضرورة اتخاذ احتياطات بسيطة لكنها فعالة، مثل فحص الملابس والأغطية قبل الاستخدام، وتجنب السير حافي القدمين، وقطعًا الامتناع عن اللجوء إلى ممارسات تقليدية خطيرة عند الإصابة. كما شددت على ضرورة التوجه الفوري لأقرب مؤسسة صحية، أو الاتصال على الخط الاقتصادي للمركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية: 0801000180، المتاح على مدار الساعة.
في النهاية، ومع اشتداد حرارة الصيف، تعود العقارب والأفاعي لتحتل واجهة المخاطر الصحية الصامتة بالمغرب، لكن بسلاح الوعي، والاستجابة الطبية السريعة، وتنسيق الجهود بين الفاعلين، يمكن تقليص آثار هذه التسممات وإنقاذ الأرواح، خاصة في صفوف الأطفال والفئات الهشة. إنها معركة حياة، والرهان فيها ليس على العلاج فقط، بل على الوقاية أولًا.