حطاب الساعيد
في خضم النقاش الوطني المتواصل حول العدالة المجالية وتوزيع الثروات، تبرز مدينة خنيفرة كنموذج صادم لما يمكن تسميته بـ”اللامساواة المائية”، ففي الوقت الذي تُزود فيه مناطق أخرى من المغرب بجزء من مياهها، تعاني المدينة نفسها عطشاً يومياً في أبسط صوره.
هذا الوضع دفع الساكنة الزيانية إلى اقتناء مياه الشرب المعبأة، ما شكل عبئاً إضافياً على ميزانيات الأسر ذات الدخل المحدود، في ظل غلاء المعيشة وتزايد التكاليف اليومية. كما لجأ البعض الآخر إلى تعبئة المياه من عيون طبيعية، رغم عدم مراقبتها صحياً، في ظل غياب بدائل آمنة ومجانية.
وتطرح هذه الأزمة أسئلة حرجة حول دور المكتب الوطني للماء الصالح للشرب والمجلس الجماعي في مراقبة جودة المياه، وصيانة الشبكات المائية التي قد تكون متهالكة أو ملوثة. كما أن صمت الجهات المعنية، وعدم تواصلها مع الساكنة لشرح الوضع أو تقديم حلول، يزيد من حالة الاحتقان وفقدان الثقة.
أن تعاني مدينة مثل مدينة خنيفرة من أزمة مياه غير صالحة للشرب، وهي غنية بمنابع الماء ،فهذا يشكل جرحاً عميقا في كرامة ساكنتها، وهو أمر لا يمكن إلا أن يثير السخط والسؤال: أين الخلل؟ ومن المسؤول؟.
فالحق في الماء ليس امتيازاً، بل حق دستوري مرتبط بالحياة والصحة والكرامة، واستمرار هذا الوضع في خنيفرة يُعدّ مؤشراً مقلقاً على غياب العدالة المجالية في توزيع الثروات الأساسية، ويطرح سؤالاً كبيراً على السياسات العمومية: لماذا تُترك مدينة منابع الماء عطشى؟
لقد آن الأوان لتُوضع خنيفرة في قلب الأولويات، لا في هامشها. فالماء مورد استراتيجي، وتوفيره بشكل آمن وعادل يجب أن يكون حقاً مضموناً، لا مطلباً مهدراً بين المكاتب والمجالس.