متابعة بدر حدوات
في جو من النقاش العميق والتعدد في الرؤى، شهدت العاصمة الرباط، مساء الخميس، ندوة فكرية حول “خصائص الهوية المغربية بين التأصيل والتحديث”، نظمتها أكاديمية لحسن اليوسي التابعة لحزب الحركة الشعبية، بحضور نخبة من الفاعلين السياسيين والأكاديميين والمهتمين بقضايا الهوية والانتماء.
وقد افتتح اللقاء الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، محمد أوزين، بتأكيده على أن الهوية المغربية ليست مجرد فسيفساء ثقافية، بل هي بنيان متماسك يتأسس على مرجعية دينية معتدلة تتمثل في الإسلام الوسطي، والمذهب المالكي، والتصوف السني، تحت مظلة إمارة المؤمنين كضامن لوحدة المرجعيات الروحية والمؤسساتية. كما شدد على أن الجمع بين الأصالة والتحديث يشكل خياراً استراتيجياً وليس مجرد نقاش نخبوي، داعياً إلى تعزيز الثقة في النموذج المغربي بدل الارتهان لنماذج خارجية قد لا تراعي الخصوصية الوطنية.
في مداخلة لافتة، دعا جاكي كادوش، رئيس الطائفة اليهودية بجهة مراكش-آسفي، إلى الاعتراف برأس السنة العبرية ضمن الأعياد الوطنية الرسمية، معتبراً أن ذلك يمثل تجسيداً عملياً لروح الدستور المغربي الذي يعترف بالمكون العبري كجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية الجامعة. وأكد على أهمية ترسيخ قيم التعدد والتعايش داخل المدرسة والمجتمع.
أما الشيخ محمد الفيزازي، فوقف عند ما وصفه بالخلط المفاهيمي المرتبط بتصنيفات من قبيل “الإسلام المعتدل” أو “الإسلام السياسي”، مشدداً على ضرورة العودة إلى جوهر الدين بعيداً عن التصنيفات الضيقة، والدعوة إلى اجتهاد جماعي يستوعب التحولات دون المساس بالثوابت الشرعية.
من جانبه، تناول الدكتور عبد الخالق كلاب مسألة التفاعل بين الهوية الوطنية والهويات العابرة للحدود، محذراً من التحديات التي تطرحها العولمة والتدخلات الخارجية على الخصوصية الثقافية المغربية، ومؤكداً على أهمية صيانة السيادة الرمزية للمغرب في عالم متداخل المصالح والهويات.
وفي ذات السياق، استعرض الأستاذ عدي السباعي البعد الدستوري للهوية المغربية، مبرزاً أن الوثيقة الدستورية تؤكد تنوع روافد الهوية المغربية من إسلامية وأمازيغية وحسانية إلى عبرية وأندلسية ومتوسطية، ضمن إطار وحدوي يكرس الانتماء الوطني، داعياً إلى ترجمة هذا التنوع في السياسات التعليمية والثقافية.
الباحث حسن رامو سلط الضوء على البعد الصحراوي في تشكيل الهوية المغربية، مشيراً إلى أن المجال الصحراوي شكل عبر التاريخ فضاءً غنياً بالتلاقح الثقافي، ومعتبراً أن تعزيز هذا الرصيد يتطلب استثماراً أكبر في البحث العلمي والتنمية الثقافية.
الندوة خرجت بتوصيات غير رسمية دعت إلى مراجعة السياسات العمومية في اتجاه ترسيخ الهوية المتعددة للمغرب، ضمن رؤية تستحضر الحاضر دون التفريط في الجذور، وتدعو إلى حوار وطني هادئ يتجاوز الصراعات الإيديولوجية نحو تعاقد مجتمعي جامع.