يقين24
تتصاعد حدة أزمة عزوف الكفاءات الصحية عن تولي مناصب المسؤولية بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وهي الأزمة التي بدأت تُلقي بظلالها المقلقة على مساطر التعيين، لا سيما في جهة العيون الساقية الحمراء.
وفي تطور يثير الجدل، أدى الشغور الإداري الواسع إلى إتاحة الفرصة مجددًا لأسماء سبق إعفاؤها بسبب شبهات فساد واختلالات مالية جسيمة، للترشح لإدارة مستشفيات الجهة.
فراغ إداري يفتح الباب للمُعفيين:
كشف الإعلان الأخير للوزارة عن لوائح المقابلات الانتقائية عن حجم الأزمة الهيكلية، حيث يتضح وجود شغور غير مسبوق في مناصب مدراء المراكز الاستشفائية والمستشفيات على المستوى الوطني.
ويُعتقد أن هذا الفراغ الإداري هو ما يفسر الجدل المثار في جهة العيون، حيث تضمنت قائمة المرشحين أسماء مسؤولين كانوا طرفًا في تقارير رسمية سابقة كشفت عن اختلالات مالية وإدارية قُدرت بنحو نصف مليار سنتيم من المال العام.
وتؤكد المعطيات أن هذه المخالفات شملت سوء تدبير للموارد واستخدامًا غير قانوني لوثائق طبية، وكانت سببًا في إيفاد لجنة تفتيش مركزية انتهت بقرار إعفائهم من مهامهم سابقًا. إن عودة هذه الأسماء للتنافس على المناصب نفسها يُعد انتهاكًا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ويهدد بتقويض الثقة في نزاهة مساطر التعيين الوزارية.
“جحيم التسيير”: دوافع هروب الكفاءات:
في تعليقه على الظاهرة، أوضح يونس لبيض، نائب الكاتب الوطني للجامعة الوطنية لقطاع الصحة، أن العزوف الجماعي عن المناصب الإدارية يعود إلى تحوّل هذه المناصب إلى “عقوبة وليست ترقية”.
فالمدير يجد نفسه مثقلاً بمسؤوليات ضخمة ومحاطًا بصلاحيات محدودة للغاية، مع غياب شبه تام للحماية القانونية.
وأضاف لبيض أن الأطر الصحية تفضل الابتعاد عن “جحيم التسيير الإداري بصلاحيات شكلية ومسؤوليات بلا حدود”، والتركيز على مهامها الطبية والتمريضية. وحذّر من أن استمرار هذا النزيف في الكفاءات القيادية يُفرغ القطاع ويؤدي إلى تسيير ارتجالي، مما قد يُرغم الوزارة على القبول بملفات مرشحين مثيرين للجدل لسد الشغور الإداري الحاصل.
مطالب مهنية بإصلاح شامل:
لمواجهة هذه الأزمة، دعا الفاعلون المهنيون إلى ضرورة المعالجة الجذرية من خلال ضمان الشفافية وتكافؤ الفرص في التعيينات.
وطالبوا بـ إعادة هيكلة شاملة للمنصب الإداري بمنحه صلاحيات حقيقية، وتوفير حماية قانونية وتحفيزات فعلية للمدراء، وذلك بهدف منع تحوّل مناصب المسؤولية إلى أداة لإعادة “تدوير” أسماء تحوم حولها شبهات سوء التدبير والفساد.

