يقين 24/ حليمة صومعي
في لحظات الغضب الشعبي، حين يختار الشباب النزول إلى الشارع للمطالبة بالكرامة والعدالة الاجتماعية، تنكشف المواقف الحقيقية للقوى السياسية. هناك من يقرأ هذه الاحتجاجات كجرس إنذار يستدعي مراجعة السياسات العمومية، وهناك من يتعامل معها كفرصة سانحة لالتقاط الصور وصياغة خطابات انتخابية على حساب آلام الناس.
المغاربة اليوم لم يعودوا في حاجة إلى خطب مطوّلة تستحضر معارك الماضي ولا إلى استعراضات سياسية مشحونة بالمزايدات. ما ينتظره الشارع أبسط وأعمق في الوقت ذاته: إصلاح فعلي ينعكس على الصحة، والتعليم، وفرص العمل، والسكن، وكل ما يرتبط بكرامة المواطن وحياته اليومية.
إن محاولة تحويل مطالب اجتماعية مشروعة إلى أوراق ضغط انتخابية، ليس فقط سلوكاً غير أخلاقي، بل هو أيضاً إساءة إلى وعي الشباب الذي اختار أن يرفع صوته خارج منطق التوجيه الحزبي. هؤلاء الشباب لا يبحثون عن “مخلص سياسي”، بل عن سياسات عادلة تضع حداً لاقتصاد الريع، وتفتح أمامهم أفقاً حقيقياً للمشاركة والإبداع.
المشهد السياسي المغربي يحتاج اليوم إلى نَفَس جديد، قوامه الشفافية والجرأة في اتخاذ القرار، لا إلى إعادة تدوير خطابات استُهلكت وفقدت بريقها. حين يصبح الشارع أداة لامتحان صدقية الأحزاب، فإن الرهان لم يعد على الشعارات، بل على ما تقدمه من بدائل عملية وحلول ملموسة.
الكرة الآن في ملعب القوى السياسية: إما أن تثبت أنها طرف مسؤول يضع المصلحة العامة فوق أي حساب انتخابي، أو أن تستمر في التناحر على ركام الخطابات الماضية. وفي الحالتين، يظل صوت الشارع أعلى، لأنه ببساطة لم يخرج من أجل التصفية الحزبية، بل من أجل غدٍ أكثر عدلاً وإنصافاً.