عزيز أخواض
إن النقاش العمومي الدائر اليوم حول الوضع الصحي بالمغرب، وما يرافقه من توتر إداري وغضب شعبي، لم يعد شأناً عادياً يمكن تجاوزه بالبلاغات الرسمية أو التدابير التقنية المتفرقة. بل هو ملف وطني بامتياز، يستوجب التعامل معه بمنطق سياسي مسؤول، يستحضر المصلحة العليا للبلاد ويضع في الحسبان حساسية المرحلة التي تمر منها المنطقة برمتها.
لا جدال أن أزمة الصحة قائمة ومتشعبة: خصاص في الموارد البشرية، هشاشة البنيات، ارتباك في التدبير، وضعف في العدالة المجالية. هذه الأعطاب أنتجت ثلاث فئات في المشهد الراهن: مواطنون غاضبون يطالبون بحقوقهم المشروعة، وهيئات وطنية قد تنجرّ أحياناً عن علم أو بدون علم فتخدم أجندات خارجية، ثم منابر إعلامية دولية – وفي مقدمتها بعض الجرائد الأوروبية مثل لوموند – التي سارعت بعد الخطاب الملكي الأخير، الذي كان خطاب إصلاح وإعادة ترتيب الأولويات، إلى نشر مقالات ذات حمولة سياسية ملتبسة، تحاول تضخيم الأزمة وتقديمها كمدخل للتشكيك في الاستقرار الداخلي وزرع بذور الفتنة. وما مقالات الأمس سوى امتداد لهذه المناورة الإعلامية المستمرة.
إن الدعوات التي تروج عبر شبكات التواصل لمسيرات ووقفات يومي 27 و28 من الشهر الجاري، رغم البلاغات الصريحة الصادرة عن السلطات المحلية بمنعها، تضعنا أمام مفترق طرق بالغ الخطورة: فبين المطالب الاجتماعية المشروعة، والتدخلات غير البريئة التي تحاول الركوب على الموجة، تبقى مسؤولية الحكومة مضاعفة. فالكرة اليوم في ملعبها أولاً وأخيراً.
وفي هذا السياق، يظل الخطاب المنتظر من رئيس الحكومة لحظة فارقة يمكن أن تغيّر مجرى الأحداث. خطاب يقول فيه للشعب بكل صدق: “نحن واعون بحجم المعاناة، وندرك أن الغضب مشروع، لكننا في الوقت نفسه نخاف عليكم أكثر مما نخاف منكم، لأننا لا نريد أن نرى أبناء وطننا يتعرضون للتصادمات الميدانية والاعتقالات، فأنتم أبناؤنا وأبناء جلدتنا. مسؤوليتنا أن نحميكم، لا أن نصطدم بكم.”
مثل هذا الخطاب، الصريح والإنساني، ليس ضعفاً بل قوة؛ لأنه يعيد الاعتبار للسياسة بمعناها النبيل، ويؤكد أن الحكومة لا تختبئ وراء المقاربة الأمنية فقط، بل تضع الإنسان وكرامته في صلب أي إصلاح.
وبالموازاة، تقع مسؤولية كبرى على الإعلام الوطني والمجتمع المدني. فهما الجسر الذي يربط الدولة بالمواطن، والفاعل القادر على توعية الناس بمخاطر الانجرار وراء دعوات مشبوهة قد يندسّ فيها من يسعى إلى الفوضى. فالاحتجاج قد ينطلق سلمياً، لكن أي فعل غير محسوب، مدفوع من جهات مجهولة، يمكن أن يقود إلى ما لا يخطر على بال.
إن المغرب في حاجة اليوم إلى تعاقد اجتماعي جديد، يقطع مع منطق التسويف، ويؤسس لمرحلة إصلاحية حقيقية. والرهان في ذلك على الحكمة السياسية، وعلى قدرة الدولة ومؤسساتها على الإنصات، والتفاعل، والتحرك بجرأة قبل أن يتحول الغضب المشروع إلى حالة فقدان ثقة شاملة. وهنا تبرز أهمية أن يتعهد رئيس الحكومة أو الناطق الرسمي باسمها أمام الشعب بخطة دقيقة لإصلاح القطاع الصحي، خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو أقل، على أن يكون هذا الوعد صادقاً، مدعوماً بإجراءات عملية وملموسة، حتى يستعيد المواطنون ثقتهم في مؤسساتهم ويشعروا أن الدولة وفية لالتزاماتها.
ومع ذلك، وجب التذكير بأن الدستور المغربي يكفل الحق في الاحتجاج السلمي كوسيلة للتعبير عن المطالب المشروعة، غير أن أي دعوة غير قانونية أو أي اختراق خارجي يهدف إلى استغلال هذا الحق، يخرج عن إطاره الدستوري المشروع ليدخل في خانة المس بالأمن العام والاستقرار الوطني. وهو خط أحمر لن يقبل المغاربة، شعباً ودولة، المساس به تحت أي ذريعة.