عاد الجدل مجددًا داخل المجمع الصناعي للجرف الأصفر، بعدما حذّرت النقابة الديمقراطية للفوسفاطيين، التابعة للفيدرالية الديمقراطية للشغل بإقليم الجديدة، من استمرار ما وصفته بـ“التجاهل المقلق للمخاطر الصحية الناتجة عن التعرض للمعادن الثقيلة في وحدات إنتاج الأسمدة والحامض الفوسفوري”.
وأوضحت النقابة، في بلاغ، أن العمال يطالبون منذ سنوات بإدراج تحاليل خاصة بالرصاص والكادميوم والزرنيخ والزئبق ضمن الفحص الطبي السنوي، معتبرة أن غياب هذه التحاليل يمسّ بحقوق الشغيلة في المراقبة الصحية الوقائية. وأشارت إلى أن طبيب الشغل، الذي يُفترض أن يتمتع باستقلالية مهنية تحت إشراف وزارة الانتقال الطاقي، “يخضع عمليًا لإدارة المجمع الشريف للفوسفاط”، مما يطرح، حسبها، تساؤلات حول نزاهة المراقبة الطبية الداخلية.
وأضاف المصدر ذاته أن الفحوص الحالية “تبقى شكلية” ولا تعكس طبيعة المخاطر الحقيقية داخل وحدات الإنتاج، إذ تقتصر على قياسات عامة مثل ضغط الدم والوزن، دون أي تتبع لمستويات المعادن السامة التي قد تتراكم في أجسام العاملين نتيجة التعرض المستمر للأبخرة والغازات الصناعية.
كما نبّه البلاغ إلى “عدم الاستقرار المهني” لأطباء الشغل داخل المجمع، حيث تم تسجيل استقالات متكررة “تثير الريبة بشأن ظروف عملهم والضغوط التي قد يواجهونها”. ودعت النقابة إلى تدخل عاجل من وزارتي الانتقال الطاقي والصحة لإجراء افتحاص شامل للوضع الصحي داخل المركب، والتأكد من مدى التزام المؤسسة بالمعايير الدولية للسلامة المهنية.
ويأتي هذا التحذير في سياق تواتر المخاوف الصحية والبيئية المرتبطة بصناعة الفوسفاط بالمغرب، خاصة في مناطق الإنتاج الكبرى مثل آسفي والجرف الأصفر. فقد سبق لتقارير دولية أن نبهت إلى ارتباط التعرض المستمر للغازات والمواد الكيماوية بأمراض مزمنة تصيب الجهاز التنفسي والكلى، إضافة إلى حالات سرطان تم تسجيلها في صفوف عمال سابقين.
ورغم تأكيد المكتب الشريف للفوسفاط، في مناسبات متعددة، التزامه الصارم بمعايير السلامة البيئية واستثماراته في مشاريع المعالجة والمراقبة، فإن النقابات والهيئات البيئية لا تزال تطالب بالكشف المنتظم عن نتائج التحاليل الصحية والبيئية، ضمانًا للشفافية وحمايةً للعمال والسكان المجاورين.
وفي انتظار تحرك الجهات الوصية، يظل ملف “تحاليل السموم والمعادن الثقيلة” داخل الجرف الأصفر مفتوحًا على أسئلة حارقة تتعلق بالحق في الصحة والسلامة المهنية، في واحدة من أكثر الصناعات حيوية وحساسية بالمغرب.

