في ظل الغليان الشعبي والاحتجاجات المتصاعدة التي تقودها حركة “جيل Z” على خلفية الاختلالات العميقة التي يعيشها قطاع الصحة بالمغرب، تستعد الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها لإطلاق دراسة غير مسبوقة تهدف إلى رسم خريطة دقيقة لبنية الفساد داخل المنظومة الصحية الوطنية.
الهيئة منحت هذه المهمة إلى المكتب الأمريكي-الفرنسي Forvis Mazars بعد منافسة بين ثلاثة مكاتب استشارية، بقيمة مالية تناهز 2.4 مليون درهم، على أن تستغرق الدراسة سبعة أشهر. وستركز على ثلاثة محاور رئيسية: علاقة المريض بالمستشفى، وسلسلة إنتاج وتوزيع الأدوية، ثم تنظيم المصحات والعيادات الخاصة التي أصبحت، بحسب معطيات ميدانية، فاعلاً مهيمناً يشتغل خارج أي رقابة فعلية.

بحسب دفتر الشروط الخاصة بهذه الصفقة، لن يقتصر المشروع على جمع المعطيات، بل سيغوص في تفكيك شبكات النفوذ التي تتحكم في مسار العلاج وتوجه المال العام. فمن ضعف الحكامة وتراخي المحاسبة، إلى التواطؤ المحتمل داخل حلقات القرار، تتغذى بيئة خصبة للتلاعبات تمس الصفقات العمومية، وتسعير الأدوية، وتوزيع الموارد البشرية.
لكن ما أثار حفيظة عدد من المتابعين هو تضارب المصالح المحيط بعملية إسناد هذه الدراسة. فالمكتب الفائز بالصفقة، Forvis Mazars، هو نفسه مكتب الاستشارة والتدقيق المالي لشركة أكديطال، أحد أبرز الفاعلين في القطاع الصحي الخاص بالمملكة. وتمتد العلاقة التعاقدية بين الطرفين إلى غاية 31 دجنبر 2026 مع إمكانية التجديد لست سنوات إضافية، ما يطرح تساؤلات جدية حول مدى حياد واستقلالية المكتب في إنجاز دراسة من هذا الحجم والحساسية.

مصادر مطلعة عبرت عن قلقها قائلة: “كيف يمكن لمكتب يرتبط تجارياً بفاعل ضخم في القطاع الصحي أن يتولى مهمة رصد الاختلالات داخل المنظومة نفسها؟”. واعتبرت أن هذا التضارب لا يمس فقط مبدأ الحياد، بل يهدد نزاهة العملية برمتها، لاسيما مع احتمال تقاطع معطيات مالية ومهنية يفترض أن تبقى سرية ومحفوظة. كما لا يُستبعد، وفق نفس المصادر، أن يؤدي هذا الوضع إلى تسرب أو تبادل معلومات قد تؤثر على مصداقية نتائج الدراسة المنتظرة.
وتبرز حساسية هذه القضية بالنظر إلى أنها لا تتعلق بدراسة اقتصادية عادية، بل بملف يلامس جوهر الفساد داخل قطاع حيوي كان سبباً رئيسياً في اندلاع موجة احتجاجات عارمة.
وفي تعليق رسمي على هذه المعطيات، أكد الأمين العام للهيئة الوطنية للنزاهة أن الهيئة “واعية بالإشكال المطروح”، مضيفاً أن المؤسسة ستتخذ “كافة الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة للحد من هذا التضارب وضمان استقلالية العملية”

