في الوقت الذي يحرص فيه وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي على تقديم صورة وردية عن “ورش الإصلاح الشامل للمنظومة الصحية” و“عدالة الولوج إلى العلاج”، تكشف الوقائع الميدانية عن مشهد مختلف تمامًا، كما هو الحال في المستشفى الإقليمي أبي القاسم الزهراوي بمدينة وزان، حيث يعيش قطاع الصحة على وقع انهيار حقيقي للخدمات الأساسية، خصوصًا في مصلحة الأم والطفل.
الوزير التهراوي، الذي ظهر أمس الثلاثاء تحت قبة مجلس المستشارين متحدثًا عن “إصلاح شامل منذ 2022” وعن “إعادة تأهيل 1400 مركز صحي وإنشاء مستشفيات قرب بعدة أقاليم”، أقرّ في الوقت نفسه بوجود “صعوبات حقيقية في الولوج إلى العلاج ببعض المناطق بسبب ضعف البنيات والخصاص في الموارد البشرية”. غير أن هذه الاعترافات، بدل أن تخفف من وقع الانتقادات، عمّقت الشعور لدى المواطنين بأن الخطاب الرسمي يعيش في عالم الأرقام، بينما يعيش الناس واقعاً يومياً مثقلاً بالمعاناة والإهمال.
في مستشفى أبي القاسم الزهراوي، تتجسد الأزمة في أبسط صورها وأكثرها مأساوية: طبيب واحد فقط يواجه مسؤولية تغطية حاجيات أكثر من 274 ألف نسمة، في منطقة تُعد من بين الأكثر هشاشة على المستوى الصحي. داخل مصلحة الأم والطفل، تعمل قابلات وممرضات في ظروف توصف بـ“المرهقة وغير الإنسانية”، وسط ضغط مهول وغياب التنسيق الكافي لنقل الحالات الحرجة نحو مستشفيات تطوان أو شفشاون. ومع كل ولادة معقدة، يتحول القسم إلى سباق مع الزمن لإنقاذ الأرواح، في غياب أدنى الإمكانيات التقنية والطبية.
المكتب الإقليمي للنقابة الوطنية للصحة العمومية بوزان، المنضوي تحت لواء الفيدرالية الديمقراطية للشغل، دق ناقوس الخطر، محذرًا من “وضعية كارثية تنذر بانهيار الخدمة العمومية”، وحمّل وزارة الصحة والجهات الوصية “كامل المسؤولية عن أي مضاعفات أو وفيات محتملة”. كما نددت النقابة بما وصفته بـ“تجاهل الخصاص البنيوي وتجميد انتقال الأطر الطبية منذ ثلاث سنوات دون تعويض”، معتبرة أن الوزارة تتعامل مع الأزمة بعقلية بيروقراطية باردة بدل اتخاذ قرارات استعجالية لإنقاذ المرفق العمومي.
أما حديث الوزير عن “رفع ميزانية القطاع بـ30 في المئة” و“تحفيز الأطر على العمل في المناطق النائية”، فيبقى، وفق مهنيين في القطاع، مجرد شعارات للاستهلاك السياسي والإعلامي، إذ لا يزال الواقع الصحي في المدن الصغيرة والقرى يكشف عن هشاشة البنيات وضعف الإمكانيات، بل وغياب العدالة المجالية في توزيع الموارد البشرية.
وبين خطاب رسمي مطمئن وواقع طبي متدهور، تقف مصلحة الأم والطفل بوزان مرآة حقيقية لفشل السياسات الصحية في تحقيق الإنصاف المجالي والعدالة في الولوج إلى العلاج، لتظل المدينة شاهداً مؤلماً على التناقض الصارخ بين الوعود الحكومية والواقع الصحي المتردي.

