نزار الصالحي.فاس
تعيش جماعة فاس واحدة من أكثر مراحلها توتراً منذ انتخاب المجلس الحالي، بعد أن فقد العمدة أغلبيته السياسية التي كانت تتشكل من أحزاب التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، والاتحاد الاشتراكي. هذا التفكك المفاجئ حول قاعة الاجتماعات إلى مشهد بالكراسي الفارغة، وأجبر العمدة صباح اليوم الثلاثاء على تأجيل الدورة الاستثنائية التي كانت مخصصة للمصادقة على ميزانية سنة 2026، بعد فشل جميع محاولاته في إقناع مكونات التحالف والمعارضة بالحضور لاستكمال النصاب القانوني.
مصادر من داخل المجلس تؤكد أن الأزمة تجاوزت مجرد الخلاف حول الميزانية، لتتحول إلى مواجهة مفتوحة حول “شرعية العمدة” نفسه، بعدما تفجرت ملفات حساسة في الجلسات السابقة، من بينها قضية “أشباح الأعوان العرضيين”، وملفات الحجوزات المثيرة للجدل داخل تجزئات جماعية، إضافة إلى ملاحظات حادة بشأن تدبير قطاعات النظافة والمساحات الخضراء والنقل الحضري وتهيئة ساحة فلورانس.
الغياب الجماعي لأعضاء الأغلبية عن الدورات الأخيرة أثار الكثير من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذا الموقف، في وقت يطالب فيه الرأي العام المحلي بتوضيحات رسمية من الفرق المعنية، خصوصاً وأن الصمت المستمر يفتح الباب أمام تأويلات متعددة حول خلفيات هذا الانسحاب الجماعي.
العمدة، الذي وجد نفسه محاطاً بعدد محدود من نوابه، واجه في الجلسة الرابعة لدورة أكتوبر “قصفاً سياسياً” عنيفاً من المعارضة، انتهى بإيقاف البث المباشر للجلسة، قبل أن يدخل في مواجهة غير مسبوقة مع الصحفيين، وُصفت بأنها مسيئة ومتناقضة مع مبادئ الشفافية، بعدما حاول توجيه عمل الجسم الإعلامي. هذا السلوك أثار عاصفة من الانتقادات داخل وخارج فاس، وزاد من عزلة الرجل السياسية والإعلامية.
وفي محاولة لتدارك الموقف، عاد العمدة صباح اليوم ليقدم اعتذاراً ضمنياً، غير أنه تمسك برؤيته الخاصة لما سماه “المدرسة الصحفية الإيجابية”، التي تركز على إبراز الجوانب المشرقة وتفادي تغطية ما يعتبره “سلبيات ظرفية”. غير أن هذا التوجه، يعمّق أزمة الثقة بين المجلس والساكنة، ويزيد من حدة الجدل حول أداء العمدة ومستقبل التحالف الذي أوصله إلى رئاسة واحدة من أكبر الجماعات الترابية في البلاد.
فاس، المدينة التي تنتظر مشاريع كبرى وتعيش اختناقات يومية، تبدو اليوم أمام فراغ سياسي غير مسبوق، فيما يظل السؤال الأبرز: من يعيد التوازن إلى ميزان المدينة التي تبحث عن من يدبرها… لا من يبرر سقوطها؟

