حبيب سعداوي.
في الوقت الذي ترفع فيه الشعارات الرنانة حول الاهتمام بالتعليم الأولي والاستثمار في الطفولة المبكرة ، يعيش قسم للتعليم الأولي بدوار لقياس التابع لجماعة الكريفات بإقليم الفقيه بن صالح ، واقعا مؤلما يكشف المسافة الشاسعة بين الخطاب والواقع ، بين الوعود التي تتلى في المهرجانات ، والطفولة التي تعاني في صمت خلف الجبال والسهول.
القسم الذي تم إنشاؤه في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، وهي مبادرة نُفذت أصلا لمحاربة الهشاشة والفقر وتحسين الخدمات الاجتماعية ؛ بات اليوم نموذجا مؤسفا لتقاعس المسؤولين المحليين وغياب المراقبة الجدية.
أطفال صغار ، بالكاد يتعلمون نطق الحروف الأولى ، يجدون أنفسهم في فضاء تعليمي بلا ماء ، ولا كهرباء ، ولا سور يحميهم من الكلاب الضالة أو الغرباء أو تقلبات الطقس.
كيف يمكن لطفل في عمر الزهور أن يتعلم في قسم يفتقد إلى أبسط شروط الكرامة الإنسانية؟
كيف لمدرسة أن تؤدي رسالتها وهي تشاهد الأطفال يتدافعون نحو مرحاض بلا ماء ، في مشهد يحز في النفس ويفضح زيف الشعارات التي تتحدث عن مدرسة الجودة وتكافؤ الفرص؟
إن الحديث عن مثل هذا الوضع لا يمكن فصله عن سياسة المفارقات الصارخة التي باتت تميز بعض الجماعات المحلية ، حيث تصرف الأموال بسخاء على الولائم والمهرجانات ودورات المجالس المنتخبة ، بينما يترك التعليم ، وهو أساس التنمية ، يتخبط في العشوائية والإهمال.
إن القسم الذي تم تشييده من أموال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، من المفترض أن يكون نموذجا مصغرا لمغرب العدالة الاجتماعية ، لكنه اليوم يختصر العنوان الحقيقي للفشل الإداري ولامبالاة بعض المسؤولين الذين يرون في المبادرة مجرد غطاء لصور تذكارية وحسابات سياسية.
الأطفال في دوار لقياس لا يطلبون الكثير
لا يريدون ملاعب عشب اصطناعي ، ولا حواسيب متطورة ، ولا طاولات مزخرفة
كل ما يريدونه ماءا نظيفا، ضوءا بسيطا، وسورا يحميهم.
لكن حتى هذه البديهيات غابت في زمن صار فيه “البدخ” في الاجتماعات أولوية، والاستثمار في الإنسان مجرد جملة تلوكها الألسن في المناسبات الرسمية.
إن مثل هذه الوقائع تتطلب تحركا عاجلا من السلطات الإقليمية والمصالح المعنية ، من أجل إعادة الاعتبار للمكان ولأطفاله . فلا معنى لأي خطاب عن التنمية البشرية ، ما دامت الإنسانية غائبة عن مشاريعها.
إن مراقبة صرف أموال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ليست ترفا إداريا ، بل واجب وطني ، لأن المال العام الذي يهدر في مشاريع ناقصة أو غير مراقبة ، يعني ببساطة: مستقبلا ناقصا لهؤلاء الأطفال، ووطنا يعيد إنتاج نفس المآسي.
فليتذكر المسؤولون أن التنمية لا تقاس بعدد المهرجانات أو الصور المنشورة على الصفحات الفايسبوكية ، بل بكم الابتسامات التي ترسم على وجوه أطفال القرى ، أولئك الذين ما زالوا ينتظرون نقطة ماء تروي عطشهم داخل قسمهم الصغير ، ومصباحا يبدد عتمة الإهمال..