يقين 24/ حليمة صومعي
أثار مشروع القانون رقم 25.26 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة موجة واسعة من الجدل داخل الأوساط الإعلامية والحقوقية، بسبب ما اعتُبر تراجعاً عن مكتسبات دستورية ومهنية راكمها المغرب خلال العقد الأخير، وعلى رأسها مبدأ الانتخاب الذي شكل أحد رموز استقلالية الصحافة المغربية.
وخلال لقاء دراسي احتضنه مجلس المستشارين اليوم الاثنين، وجّهت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف انتقادات حادة للصيغة الحالية للمشروع، معتبرة أنه لا يقتصر على تعديلات تقنية أو تنظيمية، بل يمس جوهر المشروع الديمقراطي الوطني القائم على حرية الإعلام كركيزة للتنمية والمواطنة.
وأكد ممثلو الفيدرالية أن الحكومة تعاملت مع الملف “بمنطق الارتجال والتسرع”، إذ لم تُشرك مؤسسات دستورية أساسية مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في مراحل الإعداد، رغم دورها المحوري في بلورة السياسات العمومية ذات الصلة بالحقوق والحريات.
واعتبرت الفيدرالية أن تجاهل رأي هذه المؤسسات أضعف شرعية النص المعروض، وأنتج “ورطة تنظيمية وتشريعية” يمكن تفاديها لو تم اعتماد مقاربة تشاورية واسعة تضم الفاعلين المهنيين والهيئات الدستورية والمجتمع المدني.
كما سجلت أن البنية المقترحة للمجلس الوطني في المشروع الجديد تفتقر إلى توازن التمثيلية بين فئتي الصحافيين والناشرين، وتُقصي المكونات المدنية الجديدة التي تعكس التحولات الواقعية في المشهد الإعلامي، مما يُفقد المؤسسة مبدأها الجوهري في التنظيم الذاتي القائم على الشرعية المهنية لا الإدارية.
وأشارت الفيدرالية إلى أن المشروع يتخلى عن مبدأ الانتخاب الذي نص عليه دستور 2011 وكان مفخرة وطنية، إذ ورد في التقارير الأممية حول التجربة المغربية في الاستعراض الدوري الشامل، معتبرة أن العودة إلى منطق التعيين “تضع المغرب في موقع دفاعي غير مبرر أمام شركائه الدوليين”.
وانتقد المتدخلون ما وصفوه بـ“الخطاب التبريري” للحكومة بخصوص الاستشارة التي أجرتها اللجنة المؤقتة لتدبير المجلس الوطني، مشيرين إلى أن هذه اللجنة لم تُمنح صلاحية إعداد القوانين ولا تمثيل الجسم المهني، وأن وظيفتها كانت تقنية ومحدودة في الزمن.
وشدد المتحدثون على أن أكثر من 90% من المهنيين، إلى جانب مؤسسات دستورية وخمسة وزراء سابقين للاتصال من مشارب سياسية مختلفة، يرفضون المشروع بصيغته الحالية، مما يجعل الإصرار على تمريره “خارج منطق الحكامة الرشيدة”.
ودعت الفيدرالية الحكومة إلى التحلي بـ“رزانة الدولة” والتراجع عن المشروع الحالي، معتبرة أن ذلك “لن يُحسب تراجعاً سياسياً بل خطوة إصلاحية تحمي صورة المغرب وتعيد الثقة في مؤسساته”.
وتساءل المتدخلون: “كيف يمكن للمغرب، الذي كان يفخر بوجود مجلس وطني منتخب للصحافة، أن يبرر أمام المنتظم الدولي اختياره للتعيين بدل الانتخاب؟” مؤكدين أن “الإصلاح الحقيقي لا يكون بتقويض الشرعية، بل بتعزيزها في إطار احترام الدستور والتزامات المملكة الحقوقية.”

