حليمة صومعي
في مشهد سياسي يثير أكثر من علامة استفهام، عادت قضية الصفقات العمومية لتطفو على السطح من جديد، بعدما أقدمت بعض الوزارات التي يشرف عليها وزراء منتمون لحزب رئيس الحكومة عزيز أخنوش، على إلغاء عقود قائمة مع شركات مكلفة بقطاعي النظافة والحراسة، بدعوى “إعادة الهيكلة” و“ترشيد النفقات”.
قرارات بدت للوهلة الأولى إجرائية، لكنها سرعان ما تحولت إلى محور جدل واسع بعد الكشف عن معطيات أربكت الرأي العام.
مصادر برلمانية، على رأسها عبد الله بوانو رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، لم تتردد في دق ناقوس الخطر، مؤكدة أن بعض عمليات الإلغاء تمت بشكل غير مسبوق عبر رسائل نصية قصيرة (SMS)، ما اعتبره المتتبعون إهانة لقواعد التدبير العمومي وضرباً لمبدأ الشفافية.
المفاجأة لم تقف عند هذا الحد. جريدة الصباح نشرت معطيات مثيرة تفيد بوجود شركة تنشط في مجال الحراسة، مرتبطة فعلياً بوزيرين حاليين في الحكومة، رغم تسجيلها باسم مقربين منهما. الشركة، وفق المصدر ذاته، تمكنت في وقت وجيز من الظفر بصفقات بملايين الدراهم في ظروف لا تزال غامضة.
الأغرب أن المعنيين بالأمر التزما صمتاً مطبقاً، دون أي توضيح أو نفي رسمي، رغم خطورة الاتهامات التي تضعهما في قلب شبهة تضارب المصالح. وهو صمت وصفه مراقبون بـ”المريب”، خصوصاً وأنه يتناقض مع الخطاب الرسمي للحكومة حول محاربة الفساد وترسيخ أخلاقيات المرفق العمومي.
هذه التطورات تضع سؤالاً جوهرياً على الطاولة: كيف يمكن للمواطن أن يثق في مؤسسات الدولة إذا كان الوزراء أنفسهم يُتهمون باستغلال مواقعهم لخدمة شركات خاصة؟ وأين هي الآليات الفعالة لضمان النزاهة ومنع تضارب المصالح في تدبير المال العام؟
الجواب قد يطول، لكن الثابت أن “مارشيات على المقاس” تعيد النقاش حول الحاجة الملحّة إلى قوانين أكثر صرامة، ومؤسسات رقابية أكثر استقلالية، لقطع الطريق أمام كل محاولة لخلط السياسة بالمال على حساب المصلحة العامة.