تواصل الضجة السياسية في فرنسا التصاعد عقب التحذيرات الصريحة التي أدلى بها فابيان ماندون، رئيس أركان الجيش الفرنسي، بشأن ضرورة استعداد البلاد لاحتمال اندلاع حرب في القارة الأوروبية. التصريحات التي أطلقها خلال لقاء مع رؤساء البلديات أشعلت نقاشًا حادًا، ودَفعت الرئيس إيمانويل ماكرون إلى التدخل لوقف موجة الانتقادات.
فقد أثار ماندون جدلًا واسعًا عندما دعا فرنسا إلى استعادة “قوتها المعنوية”، ملوّحًا بضرورة تقبّل فكرة “فقدان أبناء الوطن” في حال دخول البلاد في مواجهة عسكرية واسعة. تحذيراته، التي جاءت في سياق تقييمه للتدهور المتسارع في الوضع الجيوسياسي العالمي، اعتبرتها بعض القوى السياسية خطابًا يميل إلى التهويل والدفع نحو الحرب، لتتحول سريعًا إلى قضية رأي عام.
وأمام هذا الضغط المتزايد، خرج الرئيس ماكرون في مؤتمر صحفي خلال قمة العشرين بجنوب أفريقيا للدفاع عن رئيس أركانه، مؤكدًا أن ماندون “يحظى بثقته الكاملة”. وشدد ماكرون على أن تصريحات الجنرال “جرى إخراجها من سياقها بهدف بث الخوف”، مضيفًا أن الهدف منها كان التنبيه إلى المخاطر وليس الترويج للحرب، وداعيًا إلى “توحيد الصفوف وتعزيز قوة الجيش والأمة”.
لاحقًا، حاول ماندون توضيح موقفه في مقابلة مع قناة فرانس 5، معترفًا بأنه يدرك حجم القلق الذي أثارته تصريحاته، ومؤكدًا أن رسالته كان هدفها “الحث على الاستعداد” في ظل ما وصفه بـ“التدهور السريع للوضع الدولي”. وأضاف أن سوء الفهم لدى جزء من المواطنين يثبت أن الخطاب “لم يكن واضحًا بما فيه الكفاية”.
وأشار رئيس الأركان إلى أن تقييم التهديد الروسي “مشترك بين جميع الدول الأوروبية”، مستندًا إلى المراجعة الاستراتيجية الوطنية لعام 2025 التي تتوقع إمكانية انخراط فرنسا في مواجهة عسكرية كبرى بين 2027 و2030، إلى جانب ارتفاع وتيرة الهجمات الهجينة التي قد تستهدف الأراضي الفرنسية.
كما أكد ماندون ثقته في جاهزية الجيش الفرنسي، مشيرًا إلى أن معظم قواته تتكون من شباب “بين 18 و30 عامًا” يدركون طبيعة المخاطر. ولم يستبعد — بشكل ضمني — إمكانية إعادة مناقشة خدمات عسكرية إلزامية على غرار دول أوروبية أخرى، في وقت تستعد فيه الحكومة لإطلاق خدمة عسكرية تطوعية.
ويُذكر أن ماندون كان قد حذر في أكتوبر الماضي من “صدمة محتملة” خلال سنوات قليلة، في حال استمرار التصعيد الروسي داخل أوروبا — وهي مخاوف تتردد اليوم في عدة دول مثل ألمانيا والدنمارك، ما يعكس قلقًا أوروبيًا متناميًا من مرحلة جيوسياسية أكثر اضطرابًا.

