حليمة صومعي
يُفترض في الخطاب السياسي أن يكون مدرسة في الرصانة والاتزان، ورافعة لترسيخ قيم الحوار الديمقراطي، غير أن ما نعيشه اليوم في المغرب يكشف انحداراً مقلقاً إلى لغة الشتم والنعوت المشينة، صادرةً لا عن العامة في مقاهي النقاش، بل عن قادة أحزاب ونواب برلمانيين انتخبهم الناس ليمثلوهم.
لقد تابع الرأي العام غير ما مرة تصريحات من خارج سياق المسؤولية، أبرزها ما صدر عن عزيز أخنوش قبل اعتلائه رئاسة الحكومة، حين خاطب المغاربة في تجمع بمدينة ميلانو الإيطالية بعبارة مستفزة: “المغاربة اللي ناقصاهم التربية غادي نعاودو ليهم التربية”. مثل هذا الخطاب الذي يفترض فيه تعزيز الثقة بين المواطن والدولة، انقلب إلى تهديد وازدراء، وزاد من اتساع الهوة بين الشارع والسياسي.
ولم يقف الأمر عند أخنوش وحده، فعبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة الأسبق، جعل من الأوصاف القدحية لازمة في خرجاته الإعلامية، إذ لم يتردد في وصف معارضيه وخصومه وحتى منتقديه من المواطنين بعبارات جارحة من قبيل “الميكروبات” و”الحمير”، ضارباً عرض الحائط ما كان يُنتظر منه كرجل دولة أن يكون نموذجاً في احترام الرأي الآخر.
أما المستجد الأحدث، فقد جاء من نائبة برلمانية شابة عن حزب التجمع الوطني للأحرار، ياسمين لمغور، التي أطلقت سيلاً من النعوت المهينة ضد منتقدي حزبها أو أحد المنتمين إليه، واصفة إياهم بـ”الجراثيم” و”الميكروبات” و”باردين الكتاف”، في خرجة أثارت موجة استنكار واسعة على منصات التواصل الاجتماعي. والمفارقة أن مثل هذه المواقف تصدر عن من يفترض فيهم تمثيل جيل جديد من الشباب داخل المؤسسة التشريعية!
هذه الأمثلة ليست زلات لسان معزولة، بل هي تجلٍ خطير لثقافة سياسية تنظر إلى المواطن بعين الاستعلاء، وتتعامل مع النقد باعتباره جريمة تستوجب السب لا النقاش. وهو ما يكرّس صورة سلبية عن المؤسسات المنتخبة، ويغذي شعور الإحباط لدى فئات واسعة، خصوصاً الشباب الذين لم يعودوا يرون في السياسة سوى ساحة للتراشق بالألفاظ بدل التنافس على الأفكار والبرامج.
إن الديمقراطية لا تزدهر إلا بلغة الاحترام، وأي انحدار إلى خطاب الشتائم يعني عملياً تدمير الثقة التي تُبنى بصعوبة بين المواطن وصناديق الاقتراع. فالمغاربة الذين يطالبون اليوم بنخب صادقة وشفافة، لا ينتظرون من ممثليهم توزيع النعوت القدحية، بل يريدون إصغاءً راقياً ورداً مؤسساً على الحجة، لأن الكلمة مسؤولية، والسياسة أخلاق قبل أن تكون مقاعد وكراسي.