حطاب الساعيد
في خضم التحولات العاصفة التي تعرفها المنطقة، يبدو أن بنيامين نتنياهو لم يعد بحاجة إلى لغة الدبلوماسية الملتوية. فخطابه الضمني إلى الدول العربية بات واضحا: “من طبع نجا… ومن لم يطبع هلك”.
إسرائيل التي كانت إلى عهد قريب تعيش هاجس العزلة في محيط عربي رافض لوجودها، أصبحت اليوم تتصرف بثقة المنتصر. لم يعد همها إخفاء مشاريعها التوسعية، بل صارت تسوق للتطبيع بوصفه “فرصة تاريخية” أمام الأنظمة العربية لتأمين بقائها. وكأن نتنياهو يقول بصريح العبارة: إذا أردتم الاستقرار السياسي والاقتصادي، فالمفتاح في تل أبيب أما إذا اخترتم الممانعة فمصيركم التهميش والعزلة وربما السقوط.
هذا الخطاب وإن لم يكتب في وثيقة رسمية يقرأه الجميع بين سطور المواقف الإسرائيلية. فقد رأينا كيف كوفئت الإمارات والبحرين والمغرب بصفقات اقتصادية وصفات سياسية بعد تطبيعها، بينما تركت دول أخرى في خانة “المغضوب عليهم”.
نتنياهو يعرف كيف يستثمر الانقسام العربي: يقسمهم بين “أصدقاء جدد” ينعمون بالامتيازات و”خصوم قدامى” يتركون لمصيرهم.
الرسالة تحمل قدرا كبيرا من الابتزاز: فإسرائيل تعرض الحماية والاندماج في الاقتصاد العالمي لكل من يمد لها اليد، بينما تهدد بالعزلة والعداء كل من يتأخر أو يتردد.
اللافت أن بعض العواصم العربية استوعبت الرسالة سريعا ، فسارعت إلى سباق التطبيع لا من منطلق قناعة شعوبها، بل من منطلق “البقاء في الحكم”. فالتطبيع عند هذه الأنظمة ليس خيارا استراتيجيا بقدر ما هو بوليصة تأمين ضد السقوط. أما تلك التي لا تزال تتردد، فهي تواجه ضغوطا غير مسبوقة: ضغوط اقتصادية وأخرى أمنية وثالثة إعلامية كلها تقول بلغة واحدة: “من طبع نجا… ومن لم يطبع هلك”.