حطاب الساعيد
كل خطاب ملكي يحمل بين طياته رسائل قوية واضحة لا تقبل التأويل ولا الالتفاف. فقد أكد جلالة الملك غير ما مرة أن التنمية الحقيقية تعني تحسين ظروف عيش المواطنين في جميع المناطق والجهات، وأن العدالة الاجتماعية والمجالية هي السبيل الوحيد لبناء مغرب متوازن ومتضامن. قالها الملك بوضوح: “لن أكون راضيا حتى يتم تحسين ظروف عيش المواطنين من كل الفئات الاجتماعية وفي جميع المناطق والجهات.”
لكن يبدو أن خنيفرة تسير في اتجاه آخر، فبينما ينتظر المواطن مستشفى جامعيا يرفع عنه عناء السفر إلى مدن بعيدة، أو طريقا سريعا او سيارا يربط الإقليم بالعالم، أو جامعة تفتح أمام الشباب أبواب المستقبل، يجد نفسه أمام واقع غريب: مهرجانات متتالية، موسيقى صاخبة، رقص وأهازيج، كأن التنمية تختصر في الشطيح والرديح.
المفارقة أن هذه المهرجانات تسوق إعلاميا على أنها “تنشيط للمنطقة”، بينما المواطن البسيط يرى فيها “هروبا من المسؤولية” وتغطية على عجز تنموي مزمن، فهل يعقل أن يظل الإقليم رهينة للغناء والرقص، بينما مشاكله الاجتماعية والاقتصادية تتراكم بلا حلول؟
إن ما يحدث في خنيفرة اليوم يكشف عن فجوة صارخة بين الخطاب الملكي والممارسة المحلية. الملك يوصي بالتنمية لكن المسؤولين يردون بالأهازيج، الملك يتحدث عن العدالة الاجتماعية، لكن المنتخبين يختصرونها في كراسي VIP على منصات المهرجانات. الملك يضع الإنسان في صلب السياسات العمومية، لكن المواطن يظل مجرد متفرج على مسرحية سياسية عنوانها: “التنمية مؤجلة، والرديح حاضر”.
السؤال الجوهري يبقى مطروحا: من يحاسب هؤلاء المسؤولين الذين يفرغون الرسائل الملكية من مضمونها، ويحولونها إلى مجرد شعارات للاستهلاك الإعلامي؟ وهل يدركون أن التاريخ لن يذكر لهم عدد المهرجانات التي نظموها، بل سيحاسبهم على حجم الفقر، البطالة، والهشاشة التي ما تزال تنخر جسد الإقليم؟
الملك حفظه الله ورعاه رسم الطريق: التنمية أولا، والكرامة فوق كل اعتبار. أما المهرجانات فمكانها الطبيعي أن تكون وسيلة لتثمين الثقافة والفن، لا بديلا عن التنمية ولا قناعا لتغطية الفشل.