في خطاباته الأخيرة لم يعد الملك محمد السادس نصره الله يتردد في وضع إصبعه على جرح غائر اسمه “الفساد” ،فقد اعترف بوجوده في مؤسسات الدولة وفي مفاصل الاقتصاد والإدارة مؤكدا أن هذا الداء يعرقل التنمية ويضعف ثقة المواطن في المؤسسات، ويهدر ثروات البلاد. لكن السؤال الجوهري الذي يتردد اليوم على ألسنة المغاربة هو: إذا كان الملك نفسه يعترف بوجود الفساد فمن يستطيع محاربته حقا؟
الواقع أن الفساد في المغرب لم يعد مجرد حالات معزولة، بل تحول إلى منظومة متجذرة تتغذى من الإفلات من العقاب، وتستفيد من ضعف المؤسسات الرقابية ومن تداخل المصالح بين السياسة والمال. ورغم وجود قوانين وهيئات لمحاربته، مثل المجلس الأعلى للحسابات والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، فإن المواطن العادي لا يرى أثرا ملموسا لهذه الأجهزة على ارض الواقع، إذ ما زالت الصفقات العمومية مثقلة بالشبهات، والخدمات الإدارية مرهونة بالزبونية، والمناصب توزع بمنطق الولاءات لا الكفاءات.
الملك حين يعترف بوجود الفساد فإنه يوجه رسائل مباشرة إلى النخب السياسية والإدارية مفادها أن زمن التنصل من المسؤولية قد انتهى وأن الدولة لا يمكن أن تواصل مسار التنمية بينما ينخرها هذا السرطان. غير أن الإشكال يكمن في من يملك الشجاعة السياسية والقوة المؤسساتية لمواجهة هذه “الشبكة” التي تحمي نفسها بنفسها، فالمسؤولون المنتخبون غالبا ما يجدون أنفسهم جزءا من اللعبة لا خارجها، والإدارات مترددة في فضح ملفات قد تطال رؤوسا نافذة بينما المواطن يبقى الحلقة الأضعف بين صرخات الشكوى وانتظار إصلاح لا يأتي.
إن محاربة الفساد لا يمكن أن تكون مجرد شعار سياسي أو جملة في خطاب ملكي بل تحتاج إلى تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بشكل صارم، وفتح الملفات الثقيلة التي يعرفها الجميع ويتحدث عنها في الكواليس. كما تتطلب حماية المبلغين عن الفساد، وإعطاء القضاء استقلاليته التامة حتى لا تبقى العدالة رهينة التوازنات السياسية.
في النهاية يبقى السؤال مفتوحا: من يستطيع محاربة الفساد؟ الملك وضع التشخيص وسمى الداء لكن العلاج يمر عبر إرادة جماعية تبدأ من المؤسسات السياسية المنتخبة مرورا بالقضاء والإعلام والمجتمع المدني، وصولا إلى المواطن الذي عليه أن يرفض الرشوة والمحسوبية في حياته اليومية. فالمعركة ضد الفساد ليست معركة الملك وحده بل هي امتحان وطني يحدد مصير التنمية والعدالة الاجتماعية في المغرب.