في واحدة من أكثر العمليات جرأة وإثارة في تاريخ فرنسا الحديث، تعرّض متحف اللوفر صباح الأحد لسرقة وُصفت بـ“سرقة القرن”، بعدما اقتحم لصوص محترفون قلب المتحف في وضح النهار، واستولوا على مجوهرات ملكية نادرة، تاركين خلفهم صدمة وطنية وأصابع الاتهام تلاحق المسؤولين عن تأمين أحد أكثر المواقع الثقافية شهرة في العالم.
الساعة التاسعة والنصف صباحًا، قاعة “أبولون” داخل اللوفر… كل شيء كان يسير بهدوء إلى أن توقفت شاحنة مزودة بسلة رفع أمام الواجهة. دقائق معدودة، وكان كل شيء قد انقلب رأسًا على عقب. اقتحم اللصوص القاعة، استخدموا منشارًا كهربائيًا لكسر النوافذ والخزائن الزجاجية، ثم جمعوا ثماني قطع من المجوهرات التاريخية التي تعود لعهد الملكات الفرنسيات، بينها تاجان مرصعان بالياقوت والزمرد، عقد ملكي فاخر، وبروش يُعرف بـ“الصخرة التذكارية”. في مشهد سينمائي صامت، فرّ المنفذون على دراجات Tmax قبل أن يستفيق الأمن من صدمته.
تقول التحقيقات إن العملية لم تكن عشوائية… بل خطة محكمة نفذتها عصابة منظمة تعرف جيدًا كيف تضرب وأين تختفي. ورغم تشديد الإجراءات الأمنية، تمكن الجناة من اختراق دفاعات أحد أشهر المتاحف في العالم خلال ساعات الزيارة الرسمية، في خطوة غير مسبوقة وضعت السلطات الفرنسية أمام موقف حرج.
في لحظة الهروب، تخلّى اللصوص عن تاج الإمبراطورة أوجيني بعدما فشلوا في نقله، ليُعثر عليه لاحقًا تالفًا في زاوية القاعة. وبحسب وزارة الثقافة الفرنسية، فإن قيمة المسروقات لا تقاس فقط بالمال، بل بتاريخ فرنسا نفسه، إذ تمثل هذه القطع رمزًا للملكية الفرنسية وبريقها الذي امتد عبر قرون.
فتحت النيابة العامة في باريس تحقيقًا عاجلًا، وأسندت المهمة إلى فرقة مكافحة العصابات (فرنسا) بتنسيق مع المكتب المركزي لمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية. وتم تحديد أربعة مشتبه فيهم، فيما تواصل الشرطة مطاردة الخيوط الدقيقة التي قد تقود إلى الرأس المدبر.
العملية لم تمر مرور الكرام. الرئيس إيمانويل ماكرون وصفها بأنها “طعنة في قلب فرنسا”، مؤكدا أن حماية التراث ستصبح “أولوية وطنية”. أما مارين لوبان فهاجمت الحكومة قائلة: “متاحفنا مكشوفة… لقد جعلونا فريسة سهلة”. فيما أضاف لوران فوكييه بحدة: “فرنسا سُرقت في وضح النهار… هذا عار”.
وفي خضم هذه العاصفة، ارتفعت أصوات تطالب بإعادة النظر جذريًا في نظام تأمين المتاحف الكبرى. فالجريمة لم تكن مجرد سرقة… بل صفعة مدوية لرمز السيادة الثقافية الفرنسية. التحقيقات مستمرة، والرهان الآن على استرجاع المسروقات قبل أن تختفي في دهاليز السوق السوداء للأحجار الكريمة.
سرقة القرن أعادت إلى الأذهان أن حتى أكثر الرموز صلابة يمكن أن تُخترق… وأن من سرق مجوهرات التاج الفرنسي لم يسرق فقط حجارة ثمينة، بل سرق جزءًا من ذاكرة فرنسا نفسها.

