في منشور نشره صبري الحو، خبير في القانون الدولي ونزاع الصحراء، والرئيس العام لأكاديمية التفكير الاستراتيجي درعة تافيلالت، على صفحته بالفيسبوك، وضع صاحب الرأي خطوطًا واضحة: الفصل بين المطالب المشروعة وأعمال الفوضى، والدعوة إلى الحوار كجسر لحل الإشكالات الاجتماعية والسياسية. وكتب الحو صراحةً:
«لقد تحملت مسؤوليتي فليتحمل الجميع مسؤوليته… نعم للحقوق لا للفوضى نعم لجسر التواصل والحوار».
لا خلاف على أن مطالب الشباب — من تعليم وصحة وشغل ومحاربة الفساد — هي مطالب عادلة وجوهرية تمس حياة كل المغاربة. فالكثيرون يعانون بصمت، سواء من لا يملكون ما يسدّون به حاجاتهم اليومية أو من الطبقة المتوسطة التي تواجه ضغوطات اقتصادية واجتماعية. لكن المنطلق الشرعي للمطالبة لا يبيح بأي حال التعدي على القانون أو تعطيل حقوق الغير.
التحوّل من احتجاج سلمي إلى أفعال عنف أو تخريب يغيّر من طبيعة الفعل السياسي، ويضع أصحابه أمام مساءلات جنائية قد تكون قاسية وتترك أثرًا طويل المدى على مستقبلهم وحياتهم الأسرية. هذا ما نبه إليه الحو حين حذر من أن بعض صور الانزلاق قد تُكَوَّن أركان جرائم تُعاقب عليها القوانين بعقوبات مشددة.
في المقابل، لا يجب أن تتحوّل الدعوة إلى ضبط الاحتجاجات إلى مبرر لتجاهل المطالب أو تعطيل آليات المحاسبة. فالحكومة والمؤسسات خاضعة للمساءلة، ويمكن محاسبتها سياسيًا وقانونيًا، كما يمكن للمواطنين التعبير عن استيائهم عبر القنوات الدستورية من محاكم وإعلام وبرلمان، ومن خلال صناديق الاقتراع. الحو يشدّد على أن الإصلاح ممكن ومطلوب — لكن في إطار القانون والحوار.
المسؤولية الوطنية لا تلغي أيضًا المواقف الصريحة التي يعبر عنها صاحب الصفحة عبر مواضيع أخرى، من بينها ملف الصحراء المغربية، حيث يؤكد في أكثر من منشور على أن المغرب حقق مكاسب دبلوماسية مهمة، ويجب الحفاظ عليها بالحكمة واليقظة، مع التشديد على وحدة الصف الوطني.
الخلاصة واضحة: المطالبة بالحقوق واجبة، والدفاع عنها شريف ومشروع، لكن الحماية الحقيقية لهذه الحقوق تمر عبر وعي جماعي بمسؤوليات المواطنة، والتمسك بقنوات التعبير السلمية والدستورية، وتفعيل ثقافة الحوار كبديل للتدمير. كما يذكرنا الحو: حب الوطن يتجسّد في القول والفعل معًا، ولن يبقى أي إنجاز منظورًا إذا أنهكته أيدي الهدم.
في زمن تتداخل فيه الرسائل وتتسارع الأحداث، يحتاج المشهد إلى من يسهم في تهدئة العواطف دون إخماد المطالب، وإلى قنوات حقيقية لتواصل بين الشباب ومؤسسات القرار. إنها ليست دعوة للسكوت، بل دعوة للعمل العقلاني والمنظّم: الدفاع عن الحقوق بلا فوضى، والمطالبة بالتغيير بأساليب تحفظ الحق العام وكرامة الأفراد.

